التمسك بالحقوق الفلسطينية أهم من العلاقات مع أميركا!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

لم يكن القرار الأميركي باغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية مفاجئاً، ذلك ان القرار الأميركي المتوازي مع عدة إنذارات بإغلاق المكتب تواصلت خلال الشهور القليلة الماضية. اتخاذ هذا القرار الأميركي في الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاق اوسلو في البيت الأبيض، يؤشر على عدة ملابسات، ذلك ان فتح مكتب البعثة في واشنطن جاء كمساهمة أميركية في اتفاق اوسلو، ورغم ان هذا الاتفاق قد تم توقيعه في البيت الأبيض وبرعاية رئاسية أميركية، الا ان الولايات المتحدة ما تزال تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية منذ العام 1989 وحتى الآن(!)، علماً ان التمثيل الفلسطيني قبل افتتاح البعثة عام 1994، اي بعد عام من اتفاق اوسلو، كان موجوداً في إطار مكتب إعلامي للمنظمة في العاصمة الأميركية.
المفاجئ في القرار الأميركي ليس اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بل بالتبرير الأميركي لهذا الاغلاق، الفلسطينيون لم ينصاعوا للمطالبات الأميركية بعقد مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، هذا الأمر كان مبرراً دائما لكافة الخطوات الانتقامية الأميركية ابتداء من إعلان القدس عاصمة للدولة العبرية مرورا بوقف الإسهام الأميركي في الدعم المالي لوكالة الأونروا، الجديد، وفقا لمستشار الأمن القومي، ان مبرر إغلاق بعثة فلسطين في واشنطن، إن الفلسطينيين اقدموا على مقاضاة دولة الاحتلال لدى الجنائية الدولية، والأغرب ان حديث بولتون أمام الجمعية الاتحادية الأميركية، كان منصباً على تجريم الجنائية الدولية، مستثمراً القرار الأميركي بإغلاق بعثة فلسطين لدى أميركا، لشن حرب شعواء على الجنائية الدولية، مهدداً قضاتها اذا ما طاردوا الجناة الأميركيين والإسرائيليين وتقديمهم للتحقيق والمحاكمة، علماً ان الولايات المتحدة لم توقع على نظام «روما» المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، وناصبت هذه المحكمة العداء منذ قيامها، الا ان هذه الحرب الأميركية - الإسرائيلية عليها تكشف مدى الذعر الذي أصابها خشية من نتائج التحقيقات التي تجريها المحكمة على خلفية ما تقدمت به فلسطين من شكاوى مدعمة بالإثباتات للتحقيق بشأنها، ضد القتلة والمجرمين الإسرائيليين كأفراد وجهات ومؤسسات في الضفة الغربية كما في قطاع غزة.
واقع الامر، ان أمر اغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لن يغير الكثير، فالمكتب شبه مغلق منذ عدة اشهر، واثر قرار القطيعة مع الولايات المتحدة الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بعد قرار ترامب بشأن القدس. فلسطين هي التي أقدمت على وقف الاتصالات مع أميركا ورئيس بعثة فلسطين لدى واشنطن، أمضى الشهور الماضية في الضفة الغربية، تأكيداً على قرار المقاطعة لفلسطين مع الولايات المتحدة، هذه الأخيرة، ستسعى محاولة الاستفادة من هذا الإغلاق، بعد ان تبين لها ان هناك تراجعاً على المستوى الشعبي الأميركي في تأييد إسرائيل وتزايد الإدانات الأميركية لقرارات ترامب نتيجة لنشاط البعثة الفلسطينية، وجهود الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية.
تقول الولايات المتحدة عبر المتحدثين باسمها، ان الفلسطينيين رفضوا «صفقة القرن» قبل الإعلان عنها، هذا القول ما هو الا مدعاة للسخرية، فهذه الصفقة قيد التنفيذ منذ الإعلان الأميركي عن القدس عاصمة للدولة العبرية، مروراً بقرار وقف الدعم المالي الأميركي للأونروا، هذه الصفقة لم تعد بحاجة الى إعلان وهي تمضي قدما، بالتوازي مع رفض فلسطين للابتزاز والضغط الأميركيين، فبعد اقل من ساعة على القرار الأميركي بإغلاق مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن تقدمت فلسطين بشكوى الى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بشأن القرار الأميركي بهدم «الخان الأحمر» ما يشير الى ان الولايات المتحدة تملك القدرة على الابتزاز والضغط، لكن لا يمكن لها ان تنجح في إثناء القيادة الفلسطينية على مواجهة هذه المخططات، فمواقفنا السياسية وتمسكنا بحقوقنا الوطنية ليست مجالا للابتزاز والبيع!