في مواجهة الهتلرية الجديدة

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

تتلاحق الإجراءات والقرارات والسياسات الأميركية بحق الشعب الفلسطيني وقضيته المستهدفة بالتصفية، الأمر الذي يقلب الطاولة على كل دعوات السلام والمفاوضات مع الطرف الأميركي الإسرائيلي. أميركا تخوض معركة شرسة ضد فلسطين وقضيتها، كواحدة من أهم العناوين الرئيسية، التي تستهدف من خلالها، الإطاحة بالنظام الدولي، ومرجعياته وأدواته التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وبدا أنها خلاصة تجربة البشرية بعد أن شهدت حربين عالميتين مدمرتين.
منظمة التحرير الفلسطينية تعود إلى كونها جماعة ارهابية، من وجهة نظر الولايات المتحدة، وتستحق إغلاق بعثتها، بعد قرار ترامب بإغلاق مكتب المنظمة، تكون كل الفصائل، بل كل الشعب الفلسطيني، وربما من يؤيد الشعب الفلسطيني، في خانة الارهاب.
الولايات المتحدة، تقرر سياسات وإجراءات ومواقف لم تجرؤ إسرائيل على اتخاذها، وبذلك فإنها تضع نفسها موضوعياً في رأس قائمة أعداء الشعب الفلسطيني ومن يناصره، لم يعد الأمر يتعلق بممارسة ضغط على الفلسطينيين من أجل الرضوخ للشروط الأميركية، التي تستهدف الانصياع لإرادتها في الذهاب إلى طاولة مفاوضات نظيفة من كل الحقوق الوطنية الفلسطينية، مما يصدر عن الإدارة الأميركية يعبر عن إعلان صريح، بشن الحرب، وفتح الصراع على مصراعيه بما يشمل كل أرض فلسطين التاريخية، وكل الحقوق الفلسطينية من ألفها إلى يائها. إدارة غريبة تقف على رأس أقوى دولة في العالم، وتمارس السياسة على طريق الكاوبوي، أو قطاع الطرق، وبحماسة تفوق حماسة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يبدي اندهاشاً هو الآخر، وترحيباً بكل ما يصدر عن تلك العصابة.
لا تكتفي الإدارة الأميركية، بأن تتخذ ما يؤكد وفاءها للمشروع الصهيوني الأساسي، وعنوانه اليوم إسرائيل الكبرى، بل انها تحاول ابتزاز المجتمع الدولي، لمنعه من التضامن مع الشعب الفلسطيني. لقد خبر الفلسطينيون مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون حين كان مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وها هو اليوم يطلق تهديداته لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، التي عليها أن تتوقف تماماً عن ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وقد تلاحق أيضاً مسؤولين في الولايات المتحدة لأكثر من سبب وسبب.
على أن المعركة على الشعب الفلسطيني، هي بالنسبة لمن لم يدرك بعد، معركة ضد الأمة العربية، وضد المجتمع الدولي، والمصالح التي ترتبت بعد الحرب العالمية الثانية.. من الواضح أن إدارة ترامب تستهدف بالأساس، منظومة الأمم المتحدة، وقوانينها ومرجعياتها ودورها لإفراغها من مضامينها قبل أن تحتلها الولايات المتحدة بأمل تحقيق هيمنتها على النظام الدولي الذي يتآكل لصالح نظام متعدد الأقطاب، ويتجه نحو إزاحة الولايات المتحدة عن رأس قائمة القوى الأعظم.
معركة الولايات المتحدة بدأت قبل اتخاذ ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، فلقد شن معركة اقتصادية ضد أقرب حلفاء الولايات المتحدة، من أوروبا، إلى كندا، إلى الصين وروسيا، وقبلها ضد إيران وكوريا الشمالية، وعديد دول أميركا اللاتينية، لذلك لا تتردد الدول الكبرى في إعلان مواقف واضحة وسريعة رافضة للقرارات الأميركية المتعلقة بفلسطين.
حتى قضاة المحكمة الجنائية الدولية، ما كان لهم أن يصمتوا على التهديدات التي أطلقها بحقهم جون بولتون، فأعلنوا أنهم لن يحيدوا عن واجباتهم وسيواصلون عملهم بمقتضى اتفاقية روما.
قد لا يدرك ترامب، ونسخته اليهودية بنيامين نتنياهو أن مثل هذه السياسات التي تنتظم في اطار ما يسمى بصفقة القرن، وعلى هذا النحو الفج، من شأنه أن ينهي أحلامهما، بشأن مستلزمات وضع الخطر الإيراني في مقدمة أولويات العرب، ومن يظن ذلك من الأجانب.
لا يحق بعد اليوم لنتنياهو أن يتباهى بأن إسرائيل تحقق اختراقات في الوضع العربي، وأنه يحقق المزيد من النجاحات في إقامة علاقات مع عديد الدول العربية، وبالأخص دول الخليج. إن لم يكتشف العرب اليوم، فإن اليوم قريب الذي سيكتشفون فيه أن التحالف الأميركي الإسرائيلي يستهدفهم، ويسعى للهيمنة على مقدرات بلادهم، تختار الولايات المتحدة، أن تخوض حروب إسرائيل ليس ضد دول وشعوب المنطقة، وإنما ضد المجتمع الدولي، ولذلك فإنها عملياً تختار العزلة التي يشتد خناقها حول إسرائيل بسبب تنكرها للمواثيق الدولية، وترتكب أفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
في ضوء ذلك ثمة قضيتان أمام الفلسطينيين، فإذا كان الصراع مفتوحا حتى على وجود الشعب الفلسطيني كشعب له هوية وله حقوق، فإن بإمكانهم أولاً أن يعيدوا صياغة الأولويات في المنطقة لصالح إعادة القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني على رأس قائمة الأولويات.
أما الثانية، فهي أن الفلسطينيين عليهم أن يبادروا، على تواضع قدراتهم، من أجل إقامة جبهة عالمية ضد الهتلرية الجديدة، التي تنبئ بكوارث رهيبة للإنسانية، وبغض النظر عن اختلاف اللغة، وما تفرضه الحالة من ضرورات مخاطبة المجتمع الدولي، فإن كل الفلسطينيين يقفون اليوم في المربع ذاته، ولذلك فإن من غرائب هذا الزمان أن يستمر الانقسام، وهذا الصراع العبثي على سلطة، مستهدفة كما هي مستهدفة القضية برمّتها.