استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية... بين الجدوى والمتطلبات

التقاط.PNG
حجم الخط

 

معالجة قضايا المصالحة الفلسطينية والتهدئة ووضع قطاع غزة تعد أمراً مهما لأنها تشكل في مجملها أحد جوانب الحالة الفلسطينية العامة، ولكن من المفترض ألا تنسينا هذه القضايا ما هو أهم وأخطر وأعني بذلك القضية الفلسطينية ومستقبلها وكيف يمكن أن نحدد طريقنا نحو إقامة الدولة المستقلة وهو الهدف الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا كعرب وفلسطينيين ومن ثم يجب ألا نقع في براثن تحركات خارجية متعمدة تدفعنا للتركيز على قضايا أخرى من أجل أن نهمل قضيتنا الرئيسية.

بداية من الضروري أن أقفز إلى نتيجة دون مقدمات خلافاً للمنهج العلمي وهي أنه لا توجد قوة على وجه الأرض يمكن أن تنجح في تصفية القضية الفلسطينية مهما تكن أدوات الضغط التي تمتلكها فالشعب الفلسطيني صامد على أرضه والاحتلال الإسرائيلي سوف يزول مهما يطل أمده والمجتمع الدولي رغم تقصيره إلا أنه يعترف بفلسطين بأشكال متعددة والسلطة الفلسطينية تتحرك في العالم وتحقق نجاحات أقل ما توصف أنها تؤكد قضية الوجود والحق الفلسطيني.

إذن ليس هناك ما يمكن أن يخيفنا سواء كانت ضغوطا تأتي من أطراف مختلفة أو طرحا منتظرا لما يسمى صفقة القرن وكل ما علينا أن نتحلى بسياسة النفس الطويل والتحرك الواعي والتوحد قدر المستطاع، ولعلى هنا أقف عند طبيعة الضغوط العنيفة والمتتالية التي تمارسها الإدارة الأمريكية على السلطة الفلسطينية والتي تخطت حدود التحيز السافر لإسرائيل في قضايا شديدة الحساسية مثل القدس إلى الضغط المباشر على السلطة من خلال تقليص حجم المعونات والمنح المقدمة إليها ووقف الدعم المادي الأمريكي لوكالة الأونروا وأخيراً إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ولاشك أن هذه الإجراءات تهدف إلى التأثير على قضايا الحل النهائي، وكذا دفع القيادة الفلسطينية لإعادة التفكير في تغيير سياستها الحالية تجاه واشنطن.

وارتباطا بالتطورات الأخيرة فقد وجه الرئيس ترامب في السادس من سبتمبر الحالي رسالة لرؤساء المنظمات اليهودية أشار خلالها إلى أن الهدف من قطع المساعدات والأموال عن الفلسطينيين هو القبول بالصفقة الأمريكية ودفعهم للعودة للمفاوضات بوساطة أمريكية وهو نفس منطق إغلاق مكتب المنظمة، وبالرغم من أن هذه الرسالة قد جاءت في إطار تحذيري غير مقبول فإن الأمر يتطلب أن يكون رد السلطة مختلفاً رغم أن الرسالة ليست موجهة إليها مباشرة، وفي رأيي تظل المفاوضات السياسية هي الوسيلة الرئيسية للحصول على الحقوق الفلسطينية رغم كل ما يقال عن عدم جدواها ولكننا أصبحنا الآن أمام خيارين الأول أن نستمر في الانكفاء على معالجة مشكلاتنا الداخلية متجاهلين قضيتنا المحورية ومستسلمين للمواقف الأمريكية والإسرائيلية ونظل أسرى لها والثاني أن نمتلك زمام المبادرة السياسية ونخترق حواجز جامدة محاولين تخطيها مهما تكن النتائج ومن المؤكد أنني أؤيد الخيار الأصعب وهو الخيار الثاني .

ونأتي إلى السؤال الأهم وهو كيف نتعامل مع مسألة استئناف المفاوضات رغم كل العقبات التي أوجدتها السياسات الأمريكية والإسرائيلية المتعنتة وهنا أشير إلى المحددات الثلاثة التالية:

المحدد الأول أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حققت خلال فترات سابقة تقدماً كبيراً في معالجة العديد من القضايا ومن بينها تفاهمات أولمرت 2007 ومفاوضات طابا 2001 وبالرغم من أنها لم تنجح في تحقيق متغيرات على الأرض فإنها نجحت في إحداث تغييرات موثقة في الأوراق الموجودة لدى تل أبيب وواشنطن والتي قد تظهر يوماً ما .

المحدد الثاني أن الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل هو ألا تستأنف المفاوضات لأنها تعلم أن القوة التي ستتولد عن نتائجها إذا أحسنا إدارتها ستكون بمنزلة أداة ضاغطة عليها .

المحدد الثالث أن المفاوضات متوقفة منذ ما يزيد على أربع سنوات نجحت إسرائيل خلالها في فرض مزيد من الأمر الواقع على الأرض ولا سيما في القدس، بينما حققنا نحن مكاسب معنوية رغم تقديري لها ثم غرقنا في مشكلاتنا الداخلية .

وبالتالي يجب أن يكون تفكيرنا منصبا على كيفية استئناف المفاوضات بصفة عامة متجاهلين الرد المباشر على الرسالة الأمريكية لا سيما وأن الرئيس أبو مازن والزعامات العربية سيتوجهون إلى نيويورك خلال أيام لحضور الدورة 73 للأمم المتحدة وهي في رأيي أكبر فرصة لإعادة إعلان موقفنا الجماعي القاطع من عملية السلام المتمثل في مفاوضات تؤدي إلى حل الدولتين بمعنى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل، ومن ثم أقترح أن يتحرك الجانبان الفلسطيني والعربي في الإطار الثلاثي العملي التالي:

الأول القبول باستئناف المفاوضات بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي مع التأكيد للجانب الأمريكي وللمجتمع الدولي أن هذا القرار تم التوافق عليه فلسطينياً وعربياً رغبة في استقرار منطقة الشرق الأوسط وتوفير الأمن لجميع الأطراف.

الثاني عدم الممانعة أن تكون عملية انطلاق المفاوضات من خلال محفل دولي (شرفي) في واشنطن أو شرم الشيخ يتفق على أطرافه مهمته فقط الإعلان عن إطلاق عملية السلام ثم بدء مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مباشرة وتكون مرجعية المفاوضات باتفاق الطرفين سواء مرجعية أمريكية أو مشتركة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الثالث وهو حجر الأساس الذي يمكن التنازل عنه، وذلك بأن يقبل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني مسبقاً مبدأ طرح قضايا الوضع النهائي كلها على مائدة التفاوض دون استثناء من بينها بالطبع القدس واللاجئون والأمن والحدود والأرض والتعهد بتقديم المرونة اللازمة لإنجاح المفاوضات مع التأكيد الواضح على أن إسقاط أي من هذه القضايا يعني عدم وجود أي مبرر للتفاوض من أساسه.

... عن «الاهرام» المصرية