دائما أسترجعُ وأُكرِّرُ ما حفظْتُه من أشعار وأقوال، وأنا أرى حال العالم هذه الأيام.
لعلَّ أبرع الأوصاف التي قِيلت عن السياسة والسياسيين، كانت للشاعر العربي العبقري، أبي العلاء المعري، المتوفي في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، وهو نصير المتنبي في كتابه دفاعا عن عبقريته: (معجز أحمد) كانتْ أشعارُهُ سابقةً على تأسيس كل كليات الدراسات السياسية في العالم. قال عن السياسة والسياسيين:
يَسوسونَ الأمورَ بغيرِ عقلٍ
فينْفُذُ أمرُهُم، ويُقالُ ساسة
فأفَّ من الحياةِ، وأُفَّ مني
على زَمَنٍ ، رياستُه خَساسة
أما، الشخصية الثانية التي وصفت بسخرية أحابيل السياسة والسياسيين، ووضعتْ أساليب الخساسة السياسية، في مجموعة من الحكم والأقوال فكانت بعد أبي علاء المعري بخمسة قرون، إنها شخصية، نيقولو ميكافيللي 1513 م فقد أرسى أسس ومبادئ الدجل والنفاق السياسي في كتابه المشهور جدا (الأمير). ولعلَّ أبرز مبادئ الكتاب:
الدين وسيلة وأداة غيرُ مكلفة لتطويع الشعوب، وتسهيل حكمها، فبدلا من أن يُخصصَ الأميرُ حارسا على كل شخص من أفراد رعيته، فعليه أن يستعمل الدينَ بدلا من ذلك.
ومن أبرز حكمِه المشهورة:
"الغايةُ تُبرِّرُ الوسيلة" فالذبح والقتل والدمار وسائل مشروعة لتحقيق الأهداف!
ومن أبرز مبادئه كذلك، أن يتصف الأمير، بغير ما يقوم به من ممارسات، أي أن يُعلنَ شيئا، وأن يُنفِّذَ نقيضَهُ في الوقت نفسه، أن يدعي الإيمان، والإيمانُ منه براء، والإخلاصَ والوفاء، على أن يكون مستعدا للاتصاف بعكسها!
وهذه الصفة هي جوهر السياسة في عصرنا الحالي!
ما يجري في عالم اليوم، على هذا النمط، ما تقوم به الولاياتِ المتحدة الأمريكية، (حامية حمى الديمقراطيات في العالم) فهي تُناصرُ بعض التنظيمات الإرهابية في العالم العربي، كجبهة النصرة، المتفرعة عن القاعدة في سوريا، لغرض تدمير حضارة العرب كلها، ولكنها في ذات اللحظة تتحالف مع أعداء هذه الجبهة، وتُشركهم في قصفهم بالطائرات!
أما عن إسرائيل فحدِّث ولا حرج، فإسرائيل أيضا تفعلُ كما تفعلُ أمريكا، تُنسق وتُعالج جرحى جبهة النصرة في مستشفياتها، لغرض أن يدمِّروا ما بقي من سوريا، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل نفسَها تبثُّ الرعبَ في نفوس مواطنيها، وتُرعبُهم من قرب وصولِ الإرهابيين إلى حدودها!
أما عن ألمانيا فالأمرُ متشابهُ أيضا، ألمانيا تُشاركُ الدولَ الخمسةَ الكبرى في حصارها لإيران، ولكنها في الوقت نفسه هي من أكثر دول العالم تجارةً مع إيران، فالشركاتُ الألمانية هي المحرك الرئيس في حركة التصنيع الإيرانية النشيطة في كل مجالات الحياة، بما في ذلك إرساء قواعد الطاقة النووية.
وقد فوجئتُ وأنا أتابع هذا الملف، أن شاه إيران هو أول من أرسى إنشاء قواعد الطاقة النووية في إيران في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وذلك وفق برنامج الرئيس الأمريكي إيزنهاور، تحت عنوان: ( الطاقة النووية من أجل السلام)!
حتى أن أمريكا بجلالة قدرها!! أشرفتُ على تأسيس معمل الأبحاث النووية في طهران، بطاقة تبلغ 5 ميغاوات!!
استمرت جهود إيران في مجال الطاقة النووية في عهد الثورة الخومينية 1979 ، وذلك بتشجيع أوروبي وأمريكي، لمواجهة الخطر العراقي!!
إذن فإن شعار عالم السياسة في الألفية الثالثة:
" استنبتْ الشرور وتعهدها بالرعاية، وانشرها في كل مكان، ثم ادعِ محاربتها، لتبيع منتجاتك الحربية، وتُنعش الصناعاتِ، وتغزو بلدان العالم بلا جيوش، وتعيد صياغتها من جديد وفق مقاييسك ومصالحك!!!