مَن يُحاكم القتلة?

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

ما فعلته قوة الاحتلال الهمجية، وأودى بحياة الشاب الفلسطيني محمد زغلول الريماوي؛ ليس إلا فقرة وسطراً في سجل جنائي طويل ولا نهائي، لدولة الانتهاب والحرب العدوانية، التي قامت على جماجم الأبرياء وراكمت مئات الألوف من وقائع الإفلات من العقوبة، وظلت في حماية المستعمرين القدامى والجدد، الذين تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية!

جيش هذه الدولة المارقة، يقتحم بيتاً فلسطينياً في قرية "بيت ريما" ويقبض على الشاب الريماوي، ويوسعه ضرباً أمام أسرته، ثم يقتاده الى زنازين التعذيب ويقتله. في الوقت نفسه، تطرح إسرائيل نفسها باعتبارها واحة للتحضر والديموقراطية، ويتقبلها الكثيرون ممن يعرفون أن القوى السياسية الغالبة التي تحكم في هذه الدولة، أصولية وظلامية وتعتمد العنف منهجاً، وتمضغ الأساطير ولا علاقة لها بالتحضر، وهي تمثل السابقة الأكثر فظاظة في محاولة تكريس مشروعية الأيديولوجيا المتزمتة، التي تنتهك حقوق الإنسان وتنقلب على المحددات الموضوعية لقيام الدولة الحاضنة لسكانها واشتراطاتها!

عندما يرفض الشاب محمد زغلول الريماوي وجود الإحتلال على أرض وطنه، فهذا حقه وحق شعبه. أما المحتلون الذين قتلوه، فإنهم يؤسسون لصراع مديد، وهم الذين ينتجون التطرف المضاد، دفاعاً عن النفس، وهذه معادلة لن تنتهي إلا بزوال الإحتلال. فالأجيال الفلسطينية لن تستسلم للأمر الواقع، وإن انحسرت المقاومة في مرحلة، فإن أسبابها ودوافعها تظل كامنة في قلوب المظلومين لكي تنفجر في مراحل أخرى.

في هذا العالم الظالم، الرسمي على وجه الخصوص، ليس هناك ما يدعو الى وقفة موضوعية أمام حقيقة الإجرام الصهيوني المستدام. لكن طعن جندي أو مستوطن متطفل ومعتدٍ، يصبح عند هذا العالم، جريمة عنف وإرهاباً. أما عنف الدولة وإرهابها فليس جريمة عند هذا العالم، بل إنه في أحسن رود الأفعال عليه، يعتبر محض إفراط في استخدام القوة غير مُستحب. هكذا تجري السياسات، وما يشجعها هو الهوان العربي الذي يجفف عنصر الحساسية والتبرم من الجريمة الصهيونية!

الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي تشجع إسرائيل على الإستمرار في العوان والقتل، باتت معرضة للتقهقر، وحكام إسرائيل لا يتقبلون هذه الحقيقة وأخذ العبرة. هم يعرفون أن أمريكا لم يتبق لها سوى الدول المأزومة التي تهابها وترضخ لها وتعتبرها قوة عظمى لا ينبغي معاندتها، علماً بأنها أمريكا هذه بدأت تنزوي عن موقع الزعامة الدولية من تلقاء نفسها، بفعل سياسات ترامب الذي أخرجها من أهم المعاهدات في العلاقات الدولية، مثل معاهدة التبادل الحر لآسيا والمحيط الهادي، والمعاهدة الدولية للهجرة، ومن اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة اليونسكو، مع التلويح بإخراجها  من المنظمة العالمية للتجارة، ثم وقف تمويل وكالة "الأونروا" وتهديد قضاة محكمة الجنايات الدولية. لقدبات الغرور الأمريكي، الذي يحاكيه الغرور الصهيوني، جامحاً ومثيراً لحفيظة الأمم واشمئزازها، وما إسرائيل إلا قوة معطوفة على الولايات المتحدة، يحكمها ظلاميون يدفعون الى تنميطها كدولة دينية، تشوه حتى جوهر الدين اليهودي الذي يعرفه متدينو "ناطوري كارتا" اليهود، وهم يعارضون الصهيونية ويرفضون الاعتراف بشرعية وجود دولة إسرائيل ويتكاثرون!

 دم الشاب الفلسطيني المغدور محمد زغلول الريماوي، ودماء الشباب الشهداء في فلسطين، ليس في عنق حكام إسرائيل وحدهم، وإنما في عنق الإدارة الأمريكية، وفي عنق البلهاء والمسكونين بمشاعر الذل والهوان، وفي أعناق زواحف السياسات العاجزة، وذباب التنسيق الأمني الفاقد للقدرة على تأمين حياة الناس أو على الأقل طلب عدم الإفراط في استخدام القوة الغاشمة ضد الأهل والبيوت!

من يُحاكم هؤلاء القتلة؟ الغاضبون حتى الاستشهاد، من شبابنا الذين يهجمون بالسكاكين، يُحاكمون ميدانياً ويُقتلون فوراً سواء تمنكوا من القتل أو لم يتمكنوا. يموتون وهم أصحاب حق، من حقهم أن يغضبوا. فمن يحاكم القتلة الذين ليس لهم اي حق في البقاء على أرضنا، لم يتسببوا في الغضب وحسب، وإنما لا زالوا يقترفون الجرائم؟!