لماذا يا ترى لم ينصرهم ولم يسدد خطاهم ؟!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

منذ كنا صغارا على مقاعد الدرس ، فإن الصفحة الأولى من كل كتاب مقرر ، كانت عبارة عن تمجيد لسيد البلاد ، مربوطا بالله جل جلاله ، حتى ان بعض ألقابه كانت هي نفسها احدى أسماء الله الحسنى ، مثل "المعظم" و "صاحب الجلالة".

بعض الشاخصات واللافتات المعلقة على ناصيات الشوارع ، إن لم يكن معظمها كانت تشير الى "الله الوطن الملك" كثالوث لا يتغير ، ولما اقترن ذلك بالدين وبالصلاة في الجوامع ، إذ لم تكن تخل اي خطبة جمعة من اللازمة المتكررة بالدعاء للزعيم ان يهديه ويسدد خطاه وينصره على كل من عاداه ، تغلغلت قدسية الزعيم في وطننا العربي الى صميم وجداننا ، واصبح الدعاء له في طفولتنا امرا خالصا ومخلصا بالقدر الذي كان يستجمع في دواخلنا محبة الله اكثر بكثير من خوفنا ورعبنا منه ، ثم اصبح ذلك حكرا على الحاكم .

ثم اكتشفنا ان الأمر مسحوب على كل قطر عربي بغض النظر عن شكل نظام الحكم : «اللهم انصر يارب من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك ، أمير المومنين ، واجمع اللهم كلمة المسلمين به وعلى يديه.. اللهم احفظ به البلاد، واقض على يديه مصلحة العباد، واجعله ضداً على الفساد .. اللهم من اراد ببلدنا شرا وخرابا فشتت شمله ولا تجعل له من باقية ، اللهم انصر سيدنا وايده بالحق وايد به الحق يا رب العالمين» . فنكتشف ان هذه الادعية القديمة استمرت وتداولت و توارثت حتى اصبح لدينا اثنان وعشرين زعيما عربيا كل واحد بذاته هو أمير المؤمنين ، وانه لا ينفع ان تتوحد كلمة المسلمين الا على يديه هو دون غيره ، وحين ينتهي أجله مثل اي انسان ، تنتقل الأدعية الى إبنه من صلبه ، وترويج اسطوانة "هذا الشبل من ذاك الأسد " .

واهم من يبحث في العالم العربي من محيطه الى خليجه عن زعيم يخلو مسجده من إمام لا يدعو له مثل تلك الادعية ، بغض النظر عن إن كان هذا الزعيم ملكا او اميراً او رئيساً او سلطاناً ، وحين يقصّر هذا المسجد او ذاك الإمام ، يقوم مقامه الراديو والتلفزيون في بث مباشر بالألوان ، وتتعطل ماكينات الاخبار ، وتتركز كلها على المسجد الذي يؤمه الزعيم ، وحين يكون البلد منقسما ، مثل فلسطين اليوم ، بين الضفة وغزة ، ترى خطابات وادعية تثير في النفس المؤمنة مئة سؤال وسؤال ، ترى الى من يمكن ان يستجيب الله رب الأجمعين بل رب العالمين ؟

واذا كان شاعر حديث قد قال للزعيم : يا ابن الهواشم من قريش اسلفوا جيلا بمدرجة الفخار فجيلا / يا ابن الذين تنزلت ببيوته سور الكتاب ورتلت ترتيلا / يا ابن النبي وللملوك رسالة ، من حقها بالعدل كان رسولا . فإن شاعرا قديما قد قال له : ما شئت ، لا ما شاءت الاقدار ،، فاحكم فانت الواحد القهار .