رواية شبابيك للكاتب الفلسطيني رشاد ابو شاور، رواية مستقلّة بذاتها بدون فصول، بينما قسّمها تحت عناوين مختلفة، وإِلى بابين الأوّل والثّاني .
في الباب الأوّل تحدّثت الرّواية عن الأحداث والاشتباكات والمقاومة الشّعبيّة ضدّ الاحتلال الّتي جرت في آب عام 1988م في مدينة نابلس.
أمّا الباب الثّاني فقد برز فيه خطّ الصّراع الرّوائي الّذي تركّزت عليه الحبكة الرّوائيّة. يبدو أنّ الكاتب أبو شاور قد تعمّد فصل الحبكة عن الأحداث في الباب الأوّل؛ وأنا أرى لو أنّه دمغها مع الأحداث بشكل متدرّج، وأبرز الخلفيّة النّفسيّة للشّخصيّات؛ لتناغمت المركّبات اللغويّة والنّفسيّة معا لتشكّل (هرمونيا ) تضيف للرّواية واقعيّة أُخرى غير الأحداث التّاريخيّة الواقعيّة الّتي حدثت في شباط عام 1988م. مع الملاحظة بأنّ ما قام به الكاتب لا يعيب الرّواية أبدا.
رشاد ابو شاور
نجد بأنّ لغة الكاتب في الرواية لغة موحية موجزة تحمل الدّلالات والمعاني الّتي هدفت اليها؛ من أجل ايصال الفكرة.
أمّا المكان والزّمان في الرّواية فنجد أنّهما مرتبطان ببعضهما ويكمّل أحدهما الآخر، حيث نهج الكاتب بأن تكون نابلس والقدس المكان، وقد استخدم أُسلوب السّرد السّريع؛ كي يخدم البناء العامّ لحركتيّ الزّمان والمكان في الّرواية.
خطّ الصّراع في الرّواية امتدّ على طول الباب الثّاني حتّى نهاية الرّواية.
كانت المشكلة، طلب الجهة الصّحيّة الاسرائيليّة في مستشفى هداسا من الجهة الفلسطينيّة في مستشفى نابلس ومستشفى المقاصد في القدس؛ أن يتبرع بقلب المصاب في الجبهة الشّعبيّة الفلسطينيّة المدعو ناصر، حيث أُصيب بطلقة ناريّة في رأسه من قبل جندي الاحتلال أثناء المظاهرة، واعتبره الأطبّاء ميّتا من النّاحية (الكلينيكيّة). القلب يحتاجه مريض قلب في هداسا يدعى (يسرائيل) الّذي يعيش من خلال قلب اصطناعي، وهو معرّض للموت في أيّة لحظة على الأغلب 72 ساعة.
هنا استطاع الكاتب أبو شاور خلق صراع بين الطّرفين الاسرائيلي والفلسطيني، وبين أهل وأصدقاء وزملاء المريض والأطبّاء .
نجد كيف كان الصّراع الدّاخلي للطّبيب الّذي سئل من الطّرف الاسرائيلي:
- "أنا من مستشفى هداسا، هل يوجد عندكم قلب للسّيّد يسرائيل...أُلحّ عليك بالسّؤال كطبيب هل...
أغمض الطّبيب الفلسطيني عينيه، وفرك جبينه، وسال عرقه، ليس بسبب التّدفئة، لكن لأنّ دمه سخن في عروقه." ص 82
يجيب الطّبيب في أثناء اجتماع أعضاء الجبهة الشّعبيّة؛ من أجل اتّخاذ القرار :
" تصوّروا يريدون قلبه،...وهم من أطلق النّار على رأسه...أليسوا هم؟"ص83. عندما أعطى الطّبيب حالة القرار الأخير وكأنّه تخلّص من حالة الصّراع:
- انتبه: ناصر ميّت اكلينيكيّا، لكنّه مع ذلك حيّ، يتنفّس، دمه يجري في عروقه،...هل أقتل جسده وأتبرّع به؟" ص96.
- نشعر بأنّ الطّبيب عاش حالة من الصّراع بين الانسانيّة الّتي تربّى عليها، وبين قوميّته وانتمائه لشعبه وعروبته.
لكنّه في النّهاية يجد الحلّ المنطقي، وهو عدم اللجوء إِلى القتل مهما كان السّبب.
غسّان الأخّ الأكبر لناصر عاش صراعا مريرا، خاصّة حين اتّصلت به الممرّضة من هداسا:" يسرائيل خلال ساعات بموت إِذا ما لقيناش قلب مناسب، يسرائيل غني بيدفع الكم كويّس مصاري"ص 86.
أطبق غسّان سمّاعة الهاتف بقوّة حتّى أوشكت أن تنكسر" ص 86.
مراوغة الصّحفي يوسف صلاح زادت من حدّة التّوتر وأضافت صراعا في داخله، ورفضا بأنّ أخاه " ميّت اكلينيكيا".
قال الصّحفي بكلمات ايحائيّة وكأنّه يعزّي غسّان:
" الله يساعده- الأبّ- أن يرى ابنه ميّتا ولا أمل في أن...قطع عليه غسّان استرساله:
" أن يراه حيّا وليس ميتا، ولا يستطيع أن يكلّمه" ص88.
لقد لجأ غسّان من المأزق الّذي وضعه أمامه الصّحفي الّذي أراد أن يحقّق خبطة صحفيّة إِلى القرار الفلسطيني الجماعي:
- شفت يا أُستاذ يوسف ناصر ليس أخي فحسب، إِنّه ابن نابلس وأبعد من ذلك ابن فلسطين، وفي نابلس لجنة شعبيّة واتّجاهات وشخصيّات وطنيّة هؤلاء جميعا هم أصحاب القرار" ص 91.
هنا نرى كيف تحوّلت مشاعر غسّان نحو النّاحية السّياسيّة الّتي تحكم البلد؛ أمّا في جانب آخر فنرى بأنّه قد تردّد قليلا نحو النّاحية الانسانيّة:
- " لو أنّ الأمر يتعلّق بيهوديّ سامريّ من نابلس لصار للكلام معنى آخر"ص91.
الشيخ حسام كان متردّدا جدّا وعاش صراعا مع نفسه، عندما طلب منه الادلاء بصوته:
- "ولماذا أنا يا أخي مصطفى، علما بأنّي أكبركم سنّا؟"ص102.
لكنّه عندما بدأ حديثه نسب الأسباب للدّين بعيدا عن السّياسة:
- "المبشّر بالجنّة لا بدّ أن يدخل جنّة الله الّتي وعد بكامل أعضائه الّتي عاش بها واستشهد بها"ص103.
- كذلك خالد
"توتّر وجه خالد وبدا كأنّ أنفه استطال، وبدا العرق يتفصّد ويسيل على وجهه....." لكنّه تحدث بعد أن أنهى الجميع كلامهم:
- "نحن في حالة حرب، وطننا محتلّ، وحياتنا عذاب وموت وخراب، وليس مطلوب منّا أن نثبت سلوكا حسنا وأخلاقا حميدة."
أمّا فهمي فقد أبدى برأيه صريحا دون تردّد، أي أنّه لم يعش نفس الصّراع مثل الآخرين من زملائه:
- "رأيي أنّ التّفكير في الأمر ربّما يفيدنا... أقصد إِن كنّا نحقّق تأثيرا على الرّأي العام الاسرائيلي فالأمر جدير بالتّضحيّة"
أمّا مصطفى فقد أبدى هو أيضا برأيه دون تردّد ولم يعش نفس الصّراع:
- " نحن لا نقبل بقتل ناصر وانتزاع قلبه، ولسنا نخضع للابتزاز"
وأخيرا جعل الكاتب رشاد أبو شاور نهاية لهذا الصّراع بموت الرّجلين المتصارع عليهم.