متى صفق العالم للرئيس الفلسطيني؟

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس كلمة دولة فلسطين السنوية، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس 27 أيلول الماضي، وإضافة لتفاصيل الكلمة التي تستدعي التحليل، فإنّ ردود الأفعال على الكلمة مهمة. ولعل الملاحظة الأهم أنّ العالم لم يصفق للرئيس في المرات التي تحدث فيها عن الإصرار على الوسائل السلمية، وعلى العكس صفق، عندما قال "لا"، وعندما ضرب على الطاولة (المنصة) بيده وقال "لن نلتزم".

صفق الحضور والرئيس يقول "لا": عاصمتنا القدس الشرقية، وليس في القدس الشرقية، وصفق الجمهور مرتين عندما قال الرئيس مرتين أيضاً، أنّه إذا لم تلتزم الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بالاتفاقيات الدولية لن يتم الالتزام بها فلسطينيّاً، وصفق الجمهور وهو يقول "لا أحد يضحك علينا، نريد حق تقرير المصير"، وهو يعلن انتخاب فلسطين رئيساً لمجموعة الـ77، ثم صفق وهو يقول "تحية لشهدائنا وأسرانا الأبطال". كذلك عندما قام بالدعاء على الظالمين، "والله تعالى على الظالمين وحسبي الله ونعم الوكيل".

قد يكون صحيحاً عدم جواز تحميل الأمر أكثر مما يحتمل، خصوصاً أن الدعم المعنوي أحياناً لا يعني دعماً فعلياً، وهو ما شكا منه الرئيس الفلسطيني في كلمته، فذكّر بقرارات الأمم المتحدة غير المنفذة، (86 قرار مجلس أمن، و705 قرار جمعية عامة)، وأشار بشكل خاص إلى قرار الحماية المتخذ في 13 حزيران 2018، وقال إنّه لا يكفي أخذ هذه القرارات دون تنفيذها.

يمكن تقسيم ما قاله الرئيس إلى خمسة أجزاء، أولها ما الذي ينوي الفلسطينيون فعله إذا استمر الاحتلال والسياسات الإسرائيلية الأميركية الراهنة، والثاني، ما الذي ينوي عدم فعله، والثالث، تشخيصه الوضع الراهن على صعيد الصراع، والرابع، الموقف من القضايا الراهنة، والخامس، الوضع الفلسطيني الداخلي (الانقسام).

وقد لخص الرئيس السياسات الأميركية والإسرائيلية بكلمات صريحة ومباشرة، ومهمة لأنها تسمي الأمور بمسمياتها، وإذا كان مهماّ تذكير العالم بالموقف الفلسطيني، فإنّ العالم يبدو مهتماً أكثر بمعرفة ماذا سيفعل الفلسطينيون، أو لن يفعلوا، وبالمثل فإنّ الوضع الداخلي الفلسطيني يصعب أن يستفز ردة فعل دولية، لأن ذلك قد يشكل موقفا إزاء شأن داخلي لشعب آخر.

في الواقع أنّ الحديث عما سيتم فعله، وما لن يتم فعله، أثار غموضاً، فقد أكد الرئيس أنّ عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي لم تلتزم بها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، قد يكون الرد الطبيعي، لكنه أكد استبعاد خيار العنف، ولم يترك الباب حتى موارباً في هذا الصدد، لم يتحدث عن الحق بالمقاومة بكل أشكالها. وهو للدقة، وبحسب النص الوارد في النص المكتوب للكلمة، "إننا نقاوم هذا الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي بالوسائل المشروعة التي أقرتها منظمتكم الدولية، وعلى رأسها المقاومة الشعبية السلمية"، ولكنه حدد في إضافةٍ للنص أنّه لا مقاومة عنيفة ومسلحة. لم يجر الحديث مثلا أنّ عدم الالتزام بالاتفاقيات يعني تصاعد المواجهة العنيفة وأن اعتداءات المستوطنين والجنود التي ذكرها الرئيس الفلسطيني، لن تجد شباناً صامتين، يُحرقون ويسجنون ويقتلون، بينما العالم صامت أيضاً، وأنّ الفلسطينيين وضعوا السلاح جانباً بموجب اتفاقيات، تراجع عنها الإسرائيليون، بدعم أميركي. وكان سيكون مثل هذا الموقف رسالة قوية، خصوصاً إذا صفق العالم له.

قال الرئيس إنّ المجلس الوطني الفلسطيني طلب منه أي (ألزمه) بتعليق الاعتراف بإسرائيل، وإعادة النظر بالاتفاقيات الموقعة، والذهاب إلى المحاكم الدولية، وطالب هو بمؤتمر دولي للسلام، ضمن المبادرة التي قدمها لمجلس الأمن في شباط الفائت، هذه كلها وسائل مهمة جداً، ولكن جزءا منها لا تتحقق نتائجه سريعاً، بل إن نتائجها العملية محدودة (تماماً كقرارات الأمم المتحدة)، لذلك المنتظر أيضاً، عدا عن تنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، بيان ماذا تعني عملياً هذه القرارات، في أمور من ضمنها التنسيق الأمني، والمقاومة، وهذا ما يُرجى أن تقوم به الجلسة المرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني، قريباً، فضلاً عن الفصائل الفلسطينية المطالبة بمواقف عملية واضحة.

... عن «الغد» الأردنية