الكويت بعيون فلسطينية: جدلية العدل والشنآن

thumb (1).jpg
حجم الخط

 

علمتني الحياة أنه ليس من العدل الحكم على الشعوب بمنظار وقائع بعينها، وألا نتعجل الحكم قبل مطالعة التفاصيل؛ لأن هناك أحداثاً ليس للشعوب دخل فيها، ولكنها مظلوميَّات العدوان، وما يصاحبها من ردَّات فعل تأتي خارج السياق القيمي للموروث التاريخي والإنساني الذي درجت عليه الشعوب والأمم، وخاصة تلك التي عُرف عن أهلها الطيبة والأخلاق والمروءة والإحسان.

خلال العدوان العراقي على الكويت في أغسطس 1990، نكأ صدام حسين جُرح العروبة والإسلام بغزوه واحتلاله لدولة الكويت، فأوقع مأساة بشعب تلك الدولة العربي المسلم!! ربما كان هذا العدوان هو البداية لحالة التداعي والهوان التي أصابت العرب، وعجَّلت في طلب حماية الغرب والأمريكان، فوقع ما وقع من كوارث، انعكست سلبياً فيما بعد على مجمل دول الخليج والعالم العربي برمته.

هل نحكم على الشعب الكويتي فيما أصاب الفلسطينيين، الذين كانوا يعيشون في أمن ورفاه وسلام بينهم؟!!

أعتقد أن من الظلم أن نقول نعم... نعم؛ كانت هناك مظلمة أصابت الكثير من أهلنا المقيمين في الكويت، ولكن المسئول بالدرجة الأولى عن تلك الكارثة لم يكن هو الشعب الكويتي، ولكن من يتحمل المسئولية هم جهات رسمية كثيرة، كانت متورطة في سياقات ذلك العدوان. ومن باب الأمانة، فإن المستوى السياسي الفلسطيني هو الآخر يتحمل جزءاً من تبعات ما جرى.

لقد التقيت العديد ممن ألقت بهم الأحداث خارج الكويت بعد العدوان؛ سواء أكانوا فلسطينيين أم كويتيين، وكان الكل يبكي جرح ما وقع.. الفلسطينيون لهم ذكريات عزيزة في هذا البلد الخليجي، وقد بنى الكثير منهم مستقبل عائلته مما جناه من رزق ساقه الله إليه هناك، وهم لا يُحمِّلون وزر ما لحق بهم بأهل الكويت، حيث إن الطرفين كانوا ضحايا السياسات الخاطئة التي حطت رحالها في تلك المنطقة الخليجية، واصطف فيها العرب والعجم في فسطاطين من التناحر والاحتراب، حيث دفع الجميع كلفة عالية لشطحات أهل السياسة ونزوات العسكريين خلال الحرب العراقية الإيرانية، والتي تمددت بشكل عدوان عراقي أصاب مقتلة بشعب الكويت، ثم كان علينا كفلسطينيين ضمن هذا النسيج المجتمعي أن يلحق بنا ما لحق بهم من لجوء وتشريد.

نعم؛ كان مصابنا جلل، وكان على كل فلسطيني أن يبحث له عن منفى جديد في فيافي الأرض، التي يبدو أن صدور أهلها من العرب قد ضاقت بما رحبت، جراء مثل هذه الهجرات الجماعية للفلسطينيين.

لقد عرفت الكثير من أهل الكويت خلال سنوات عملي بالأمارات أو دراستي في أمريكا، وكانوا أهل خير وعطاء، وقدَّموا الكثير للنهوض بالجالية الإسلامية في أمريكا، من حيث بناء المساجد ودعم الأنشطة الإعلامية التي كنا نقوم بها للتعريف بقضيتنا الفلسطينية أو حركياتنا الدعوية، التي كانت ترعاها رابطة الشباب المسلم العربي (MAYA)، والتي انبثقت – بتراضي واتفاق - من رحم التجمع الطلابي المعروف باسم "رابطة الشباب الكويتي" في أمريكا، بهدف الحفاظ على وحدة المسلمين في الولايات المتحدة.

كانت هناك شخصيات كثيرة عرفناها في أمريكا من أبناء الكويت ورجالاتها، وكان منهم: د. طارق سويدان، د. وليد الوهيب، د. أحمد الهولي، د. موسى المزيد، د. أحمد بوزبر، د. عبد العزيز الشايجي، والعم (أبو بدر) المطوع...الخ

كان الطلاب الكويتيون من بين الآلاف من شباب الخليج، الذين جادوا بالوقت والمال من أجل دعوة الإسلام في أمريكا، وشاركوا بسخاء في حملات بناء المساجد والمراكز الإسلامية في العديد من الولايات والمدن الأمريكية.

لكل هؤلاء وأولئك عاطر التحية وجميل السلام، وندعو الله أن يكون ذلك في ميزان حسناتهم؛ نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.

هذه التغريدة جالت بخاطري على إثر محاولة البعض نبش صفحات تاريخ مضى، والذي تحتضن تفاصيله الكثير من الاتهامات والمظالم، وقد تمت تغطية وقائعه بشكل فيه الكثير من الانحياز والتحامل، فيما يخص كل ما جرى من أحداث في مطلع التسعينيات، دفعنها ثمنها جميعاً نحن الفلسطينيين والكويتيين، جراء نزوات وحماقات بعض الساسة والقادة العراقيين.

للكويت وأهلنا في الكويت كل التقدير والاحترام، حيث إن عطاءاتكم لم تتوقف لنصرة القضية الفلسطينية، ومحاولاتكم لرأب الصدع وإصلاح "ذات البين" بين دول الخليج هي تعبير عن الأصالة العربية، والحرص البالغ على وحدة الأمة واجتماع شملها.

حقيقة، إن قيمة الشعوب ليست بعدد سكانها، ولكن في نبل مواقفها، وعملها من أجل وحدة أمتها.

لشعب الكويت كل التحية، حيث إن ما يجمعنا بأهل الكويت هو الكثير من ذكريات التآخي والمحبة، والتي شهدت تجلياتها سنوات من العطاء والعمل الدؤوب من أبناء شعبنا لنهضة هذا البلد الخليجي الحبيب، كما أن للكويت وأهله كذلك الفضل في إعانة الفلسطينيين خلال محنة اللجوء والاغتراب، وما تزال أيديهم ممتدة بالخير والعطاء لغزة الحبيبة، المحاصرة بالاحتلال والعدوان.