أمراض نفسية

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

عُرضت على صفحات التواصل الاجتماعي، صورٌ أظهرت الأثار البشعة للتعذيب على جسد مواطن فلسطيني اعتقلته حماس في سجونها. وفي اليوم نفسه؛ نشرت وسائل الإعلام تصريحاً لعضو المكتب السياسي لحماس د. موسى أبو مرزوق، يشكو في جوهرها رئيس السلطة محمود عباس، ويقول إن في مقدوره "إنهاء كل المشاكل والقضايا الخلافية الداخلية بمنتهى السهولة واليُسر، وخلال أيام،  اذا قرر ذلك، مضيفاً أنّه يستطيع الذهاب الى قطاع غزة في أي وقت ووقتما يشاء،  وينهي كل مظاهر الخلافات الموجودة وينهي العقوبات ويعلن المصالحة ويستطيع  أن يبث في شعب غزة مباديء الاخاء والمحبة  والتراحم وليس العداء والتهديد والقطيعة، وسيجد الناس قد نسيت وتناست كل الماضي بصورة إيجابية"!

كلام نوراني، وعبارات للهداية، تحاكي روح الأم تريزا، لكن الفعل على الأرض، يسترجع تاريخ المغول وقانون "الياسا" الذي وضعه جنكيز خان لضبط أنفاس خلق الله في امبراطوريته الشاسعة. ويتجاوز هذا القول عن حقيقة كون إطالة أمد الخصومة، بات موضوعاً متصلاً ــ من بين ما يتصل ــ بعلم النفس والأمراض العصبية. دفء الكلام في التصريح، ولون لسعات النار في الصور، ترسم مفارقة محيّرة في الواقع. لقد بدا الأمر، إن انطلقنا من فرضية ميل أبي مرزوق للرفق، أن تأثير الرجل وزملائه من ذوي الكلام النوراني، يضاهي تأثير أعضاء تنفيذية عباس في خيارات السلطة. فجميعهم يشاهد كل شيء، ولا يغيّر شيئاً، بل لا ينطق اعتراضاً على شيء!

الجامحون في الكلام، من قيادات حماس، أشبعونا حديثاً عن "القنينة" في زنازين السلطة قبل انقلاب حماس. وتلك صورة افتراضية، حملها البعض القليل من طالبي اللجوء السياسي في أوروبا، الذين سمعوا بحكاية "القنينة" وحاولوا استخدامها واتهموا حماس بحشوها، لتوظيفها في مروياتهم. لكن ما حدث في أيرلندا (ولا أعرف إن كان ذلك قد حدث في غيرها) أن المحققين سمعوا الكلام، فأحالوا المتكلم الى الفحص الطبي، وهذا ما لم نستطع عمله في فلسطين. وجاء التقرير، أن "أموره" سالكة، لا يعيقها جرح قديم أو جديد، ولم تطأه ريشة هُدهد!

ربما يكون أخونا أبو مرزوق يتمنى الإخاء والمحبة والتراحم، ولكن أين هو الواقع من الثقافة الضامنه لبلوغ مثل هذه الأيقونات؟

لعل المسألة تتعلق بتشوهات نفسية، استقرت في العقل الباطني لأصحابها، بتاثير المحقق المخابراتي الصهيوني، كمثال للغالب المستبد، لا سيما وأن بعض التدابير الحمساوية في الاستدعاء والتوقيف وألفاظ الإستجواب وطرق التعذيب، تشبه ذلك الذي كان يحدث أيام الإحتلال وأحياناً تتفوق عليه. إن كان الأمر على هذا النحو، نصبح بصدد ظاهرة لها وصفان في علم النفس، إن تفلسفنا نقول إنها "سايكوباتية" وإن تبسّطنا نقول "مستهينة بالمجتمع" وهذه تجعل المصاب منطوياً على بغضاء حيال الناس، فلا يحترم قوانين وأعراف الحكم الراشد، وبالطبع لا يلتزم محددات الشريعة الإسلامية التي تزعمها حماس. فهذه الشخصية، تتسم بالعدوانية، ولا تعرف الإحساس بالذنب أو الندم، ولا تتعلم من تجاربها السابقة، والأخطر أنها لا تعرف الشفقة ولا الرحمة ولا العدل ولا الكرامة الإنسانية. فكل ما يهمها هو تحقيق أكبر قدر من اللذة والسلطة والهيبة، حتى لو كانت مبنية على أكبر قدر من الألم الذي يصيب الآخرين. فمن يفعل بالمواطن الفلسطيني ما فعله المحقق الحمساوي بالشاب الذي عُرضت صور جسده، لن يكون إلا شخصية مشوهة!

ليست دعابة ولا شتيمة ولا هجاء، في قولنا أن المتنفذين من طرفي الخصومة، ومن يحسمون الأمور أو يشاركون في حسمها، مصابون بمحموعة من الأمراض النفسية. والآخرون، من غير المصابين، يدارون على المصابين ويحاولون تجميل سياقاتهم فيأثمون، ونقطة على السطر!