بعض السولار وبعض الحقيقة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

من ثغرة الإنقسام، دخلت أعطية السولار القطرية الى غزة، في إهاب صَدَقة غير جارية، وكقرصة أُذن، من الدوحة، لصديقها المتبرم من أية أعطية لغزة تخفف من مصاعب حياتها لخمس دقائق. والقرصة تذكيرٌ له،  بأن مهمتة الحصرية هي  الإسهام في إفشال الجهود المصرية لتحقيق المصالحة، وعليه أن يقف عندها ولا يتجاوزها الى معاقبة حماس وغزة. فقليل من السولار التكتيكي يحرق أعصابه ويتهدده في جدارته كصاحب قرار، دون أن يؤمن هذا السولار، حلاً لواحدة من أقسى المشكلات الخانقة للحياة، وهي مشكلة الطاقة!

المتبردم بدوره، لا يستطيع اللعب مع القطريين، لأنهم جاهزون لحرق مراكبه، بوسائل شتى. فهو على هذا الصعيد، حكيم ولا ينفعل ولا يكيد ولا يهجو.

لا يختلف اثنان، على أن محنة غزة، والانقسام الفلسطيني، أيقونتان ثمينتان في ناظر اللاعب القطري، تصلحان للشيء ونقيضه: مفاقمة مصاعب الحياة في غزة، حتى يرضخ عباس للقُطبيين من حماس أو يأتي على هواهم، ومن ثم توظيف استمرار السيطرة الحمساوية على غزة، في السياق الذي تريده "الجماعة". والثاني هو التأسي على غزة وإدرار دموع التماسيح على حالها وتحميل الدولة المصرية أسباب المحنة. فلم يعد يُجدي التهاجي العربي ــ العربي، المستند الى العلاقات مع إسرائيل والمبالغة في وصفها، لأن الأطراف كلها، لها علاقات مع إسرائيل يمكن للآخرين تضخيمها ونسج القصص عنها. لذا بات التوجه المعتمد، هو من الذي يؤذي غزة أكثر.  وهذا الذي يدفع كل طرف، للمبادرة الى خطوات تبدو حانية ومتفهمة لآلام السكان في غزة، علماً بأن بسطاء الفلسطينيين واذكيائهم، متأكدون أن الأطراف العربية محتمعة، قادرة في يوم واحد، على إنهاء الإنقسام، على أسس قانونية ودستورية، عندما يتوافر التوافق بينها في هذا الشأن، لأن القرار على جانبي الخصومة الفلسطينية يتأثر سريعاً وعميقاً بضغوط هذا الطرف أو ذاك!

ما يحتاجه الفلسطينيون في غزة الآن، ليس صدقات غير جارية أو انفراجات جزئية أو مواربة ضيقة للأبواب المغلقة. إنهم في حاجة الى خطوة واحدة تختبر نوايا الأشقاء وتحسم الأمر لصالح المقتضى الواجب، وهذا لا يتحقق بدون صيغة واحدة تُطرح بقوة وحزم، لكلٍ من طرفي الخصومة: إما أن تذهب الى وفاق وطني فلسطيني، على أسس دستورية وقانونية على قاعدة التميكن للإرادة الشعبية الفلسطينية، أو لا شيء لك عندنا وسنقطع معك. ولن يجدي طرح هذه الصيغة لطرف دون الآخر، أو في وقت يختلف عن وقت، أو بدافع أسباب ومقاصد، تختلف عن أسباب ومقاصد أخرى. عندئذٍ سيرضخ الطرفان لمنطق الصواب، وهذا أكرم اليهما وأشرف من المرونة حيال منطق النيران الإسرائيلية والإهانات. وما دون ذلك، يساعد على  استمرار محنة الفلسطينيين!

أعطية السولار، لا تشحط الذئب من ذيله فتأمن غزة وتعيش، ومعاقبة غزة لا تشحط حماس الى سجن عباس، وتأثيم حماس لعباس، لا يشحطه ومن معه الى قفص المحكمة. فهذه كلها هي المتاهة المديدة التي صنعت المأساة متعددة الوجوه والكوارث والندوب الإجتماعية في غزة وفي حياة سكانها.

بعض السولار لا يُنهي المأساة ولا يُنهي حتى المشكلة في قطاع الكهرباء، وبعض الأعطيات من أي نوع، لا تعكس حقيقة النوايا، فلا يزال المرتجى، هو إجبار الطرفين على الذهاب صاغرين الى الاحتكام للشعب الفلسطيني، من خلال انتخابات حرة تتوافر لها ضمانات الشفافية، وتتولاها حكومة انتقالية يتم التوافق عليها. أما غير ذلك فعبثٌ في عبث!