غزوة الصهاريج

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

يتتبع المرء باندهاش، التمرين العملي على الذود عن مرمى الوطنية والشرعية الفلسطينيتين، وصد غزوة السولار. لقد وجد فريق الدفاع نفسه مضطراً الى التمرين، بينما هو عازف بإرادته عن الرياضة. فما أن دخلت شاحنات الصهاريج الى غزة، حتى استيقظ الفريق النائم واستجمع همته، ليبدأ التمرن على خطط دفاعية تحمي المرمى لكي يراه نظيفاً، فلا تغشاه كُرة تهز شِباك التمثيل الفلسطيني وتحبط محاولات اختراقه أو تجاوزه!

المدرب والطاقم الفني، ساهرون على منع تسجيل أي هدف لصالح غزة، سواء كان خبزاً أو عملاً للعاطلين، أو استمراراً للعاملين في أعمالهم، وعدم إقعادهم وسلباً لرواتبهم، وحجب الإضاءة والدواء وتنقية البيئة وتشغيل المعامل وأجهزة الطبابة أو إعطاب وتعطيل كل شيء يحتاج الى الكهرباء. وظل هذا دأب المدرب والطاقم الفني، لسنوات لا يُعكر صفوهم شيء!

مع السولار، عاد الفريق لكي يتمرن على حماية الكيان الفلسطيني وعلى احترام صلاحيات المدرب، متحسساً مخاطر الطاقة، التي يمكن أن تُحيي بعض العظام وهي رميم. وليت هذه المروءة الوطنية، دفعت الفريق الى التمرن على منع العدو، من تجاوز السلطة، وهو يقتحم البيوت في الضفة ويعتقل الشباب ويُحرج فخامة الرئيس في كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، ويهينه أمام الشعب الذي يحكمه، رغم تأديته ما عليه أمنياً. والعجيب أن مدرب الفريق لا يرى خرقاً للصلاحيات إلا بدخول السولار الى غزة أو فتح المعابر لتسهيل حركة الناس، أو بوصول شحنة غذاء ودواء لا يريد لها أن تصل، لمقاصد يراها نبيلة، جوهرها التمكين لحكومته في غزة، وتعويضها عن فقدان التمكين في الضفة الفلسطينية.

ربما من العبث، أن يناقش واحدنا هذا الأمر مع الفريق، وأن يسأله أولاً: هل يحتاج البشر الى الكهرباء، أم إن الكهرباء ترف لا يحتاجه الإنسان في هذا العصر؟ وهل يمكن لمحطة توليد الكهرباء، أن تعمل بمياه البحر أم إنها تحتاج للطاقة؟ وهل قمت يا حضرة الفريق بتوفير الكهرباء لمحتاجيها، على الأقل لكي لا يتجاوزك أحد، أم إنك الذي تعمدت حرمان تلامذة المدارس من الإضاءة حتى في أيام امتحاناتهم. فانت تقتطع من موظفي سلطاتك الموقرة مبالغ من رواتبهم، تكفي لتوفير الإضاءة لأبنائهم؟ ليتك أيها الفريق،  تجيب عن هذه الأسئلة، لكي نتعاطف معك ونتحسس مخاطر السولار الذي وصل رُغماً عن أنفك.

مدرب الفريق، الشغوف بقلائد الزينة والأحجار الكريمة والهدايا والشيكولاتا السويسرية المستوردة لأحفاده، وكل ما  لا تخلو منها طائرته من المباهج، لا يريد أن يقتنع بأن حاجة الناس لكهرباء تشغيل الأفران في غزة، أكبر بكثير من حاجته الى شراء التحف بذريعة إهدائها لشخصيات لا يحتاجونها. فمن يعرف منقولات طائرة عباس، لن تزعجه هذه الأسئلة، ومن يُسحّج لعباس سينزعج!

لسنا مع الفأر القطري الذي يقرض الشِباك بأسنانه، ويفتح الثغرة لكي يربح موقفاً. وبالطبع لسنا أقل عداءً لسمكة القرش الإسرائيلية المتوحشة، من عداء إبننا الذي يقاوم. لكن العدو عندما يوازن بين حاجته الى تخفيض منسوب الغضب في غزة، وواجباته في استرضاء عباس، سيختار التخفيض، ولا بأس عندئذٍ إن يغضب عباس من إدخال السولار، فتُضاف فقرة الى قائمة غضباته الكثيرة من إسرائيل التي لا تفي بوعودها ولا تعطيه شيئاً، سوى هامش الحركة والتكتم على سياقات الصرف، وعلى "تفصيلات" السجون، وتعطيه حرية إقصاء الآخرين ومنع سفرهم، وحرية عقد المؤتمرات والمجالس "الوطنية" البائسة!

إن كان السولار من وراء ظهر عباس هو الذي يفتح الثغرة، فلماذا يمنع فخامته السولار الذي يأتي بإرادته ولا يفتح ثغرة، أم إن الرجل لا يريد أن يقتنع بأن الكهرباء والدواء والخبز هم صنوْ الحياة، ومن يمنعها فإنه يعذِّب ويقتل.

عندما يواجه الناس خطر الموت المجاني، فعلى الآخرين أن يتفهموا اضطرارهم لأن يتلقوا المعونة من أيٍ كان. في ذات يوم، طلب الهانئون القائمون على مدينة "روابي" قبل افتتاحها، خط مياه، من شركة "مكروت" الإسرائيلية. اشترطت الشركة، أن يُغذي الخط المستوطنة المجاورة. رفض رئيس سلطة المياه هذا الشرط، فأقاله عباس. وصلت المياه لراوبي وللمستوطنة الصغيرة. الأولى أدت وظيفتها فأشعلت الرقص والغناء، والثانية تضخمت وأضافت الى بؤر التعدي على شعبنا بؤرة جديدة وخطيرة، لا يقاس معها خطر السولار!

ليتمرن الفريق حتى يتعب. ولم يكن كلف نفسه، أن يباشر عملية تنمية في الضفة، على الأقل في قطاعيْ الماء والكهرباء، لكي لا تظل إسرائيل هي من تبيع الماء والكهرباء, فلا فائدة من التمرين، لأن الفريق يلعب كرة القدم بقوانين كرة السلة، وبالتالي فإن صافرة الحكم جاهزة، حتى لو اهتاج المتبرمون في حال اقتطعت إسرائيل من المقاصة، كلفة ربط شبكة كهرباء غزة بشبكتها، دون أن يحتاج الفلسطينيون الى منحة قطرية. عندئذ سيقول المحتلون، نحن نبيع الكهرباء والطاقة في الضفة، فلماذا لا نبيعها لغزة لكي تهدأ أمورها ولا تنفجر في وجوهنا؟. ماذا سيفعل فريق منع الكهرباء وسواها؟ لن يستطيع أن يفعل شيئاً، لأنه لم يلتزم مسؤولياته ولم يحترم نفسه، عندئذٍ تكون بُرّاقش قد جنت على نفسها!