قد يبدو أننا شعب غير حي أو غير قادر على مواصلة النضال والكفاح ضد المحتل أو الخروج من كل هذا العجز و التيه الذي أصبح مقيم فينا، والاستسلام لجرائم الإحتلال و ليس آخرها إحراق الطفل علي من قرية دوما قضاء نابلس من قبل مستوطنين إرهابيين، أو التكيف مع الإنقسام الذي أصبح سمة من سمات القيادة والفصائل و غالبية من الناس و مواجهة من صنعوه ويطوروا أدوات إدامة صناعتهم التي أصبحت رائجة.
و الإحتلال ماض في سياساته وجرائمه من دون مواجهة وطنية حقيقية و الاكتفاء بوسائل نضال فردية و انفرادية وحسب المصلحة والرؤية الخاصة لكل طرف، والشعب الفلسطيني والفاعلين فيه فقدوا القوة والقدرة على القيام بأي فعل والتأثير في تغيير الواقع البائس.
و كالعادة مع كل جريمة ترتكب تنهال علينا بيانات وتصريحات الغضب الجاهزة للنسخ واللصق من قبل القيادة والفصائل، والتهديد والوعيد بأننا سننتصر والثأر والانتقام قادم، وما يرافق ذلك الاتهامات المتبادلة بالتخوين والمطالبة بوقف التنسيق الأمني، والأوامر الرئاسية بإعادة بناء المنزل المحروق، وتحويل المصابين إلى مستشفيات الداخل، وأننا سنستخدم السلاح النووي بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية للثأر لعلي.
ماذا بعد جريمة بشعة وعجزنا الأبشع منها؟ و الضمير الجمعي السلطوي و الفصائلي لم يتمخض سوى عن ردات فعل عنترية معلومة و منزوعة الإرادة بفعل وطني حقيقي. والسؤال الحقيقي والذي تتوه الإجابة عليه عن عمد لدى من أوصلونا إلى ما نحن فيه، و في زحمة المزايدات والاتهامات من قاموس الردح اليومي و كل هذا العجز.
من الذي سيثأر لجريمة مقتل الطفل على؟ وبأي الوسائل النضالية سيكون الرد؟ هل سننتظر فتح تحقيق أممي أو تحقيق من قبل الجنايات الدولية؟ هل هو أحد أبناء قريته أو أحد أبناء القدس؟ وهل سيستخدم سكين مطبخ منزلهم المهدد بالهدم؟ أو أحد منتسبي الأجهزة الأمنية الغاضبين؟ أو أحد أعضاء السلفيين سيسرق من صواريخ المقاومة؟ أو غيرهم من الفصائل الإسلامية أو اليسارية بإطلاق صواريخ من غزة العزة وهي بعد لم تشفى من جراحها؟ وهل مواجهة الاحتلال وجرائمه هي عمليات فردية انتقامية وثأرية وقائمة على ردة الفعل وان ضرورة الرد أن تكون بالصواريخ من غزة؟ أم بمسيرات الغضب والاجتماعات و القرارات؟
جريمة قتل الطفل يجب أن يكون رد وطني عليها وليس رد انفعالي وتقع المسؤولية أولاً على السلطة الفلسطينية وقيادتها بركونها في سياستها وبرنامجها و إنتظار الوعود والمبادرات الدولية بالضغط على إسرائيل للعودة إلى ما يسمى بالعملية السلمية ومنع أي فعل مقاوم سلمي أو شعبي منظم فكيف سيكون مسلح؟ والاستمرار في التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال والحفاظ على الوضع القائم والمجلس المركزي قرر وقفه، هذا ما يشجع المستوطنين على تنفيذ جرائمهم من دون أي مقاومة أو ملاحقة، فأمن الفلسطيني مستباح والمستوطنين يستبيحوا الضفة الغربية من دون خشية أو محاسبة منذ عدة سنوات.
والمسؤولية على بالرد على دم علي أيضاً في رقبة جميع الفصائل الفلسطينية العاجزة عن اتخاذ أي خطوة أو فعل حقيقي و التي عودتنا على التصريحات النارية ومسيرات الجمعة و اعتصامات السبت والأحد أمام مقرات الأمم المتحدة، ومباركة عمليات الطعن بالسكاكين وتهنئة ذوي الشهداء، والدعوات بضرب تل أبيب بالصواريخ والتفكير بكسر الهدنة التي لم تبرم، والمطالبة بإنهاء الانقسام والوحدة الوطنية ووقف التنسيق الأمني.
هذا هو العجز من دون العودة للأصول واتخاذ قرارات مصيرية وفتح حوار ونقاش وطني عام لمراجعة حقيقية لمسيرة النضال الفلسطيني وأي وسائل النضال يجب ان نسلك وفق قدراتنا وموازين القوى وتغليب المصلحة الوطنية، سيبقى الحال على ما هو عليه من انقسام و إختلاف على طرق نضالنا ومواجهة الإحتلال المستمر في تهويد القدس و إلتهام الأراضي لبناء مزيد من المستوطنات ومزيد من حرق الفلسطينيين ليل نهار.
وكل ما يملكه جميع المسؤولين هو مزيد من الشعارات و الاستمرار في هذا الحال ومزيد من جرائم استهداف الإنسان الفلسطيني قبل الأرض، والبؤس وفقدان الناس الأمن والأمان في الضفة الغربية، وتوفيره لا يكون بتشكيل لجان الحماية الشعبية، إنما بنشر قوات الأمن الفلسطينية في جميع المدن والقرى الفلسطينية المشغولة بحماية نظام السلطة وأمن المستوطنين.