إعلام قطر وخيط دخان

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

عندما يتابع البعيدون عن أحداث المنطقة وحقائقها، إعلام قطر، في جموحه اللافت، ويتأمل وُجهة موضوعاته ونوعية الآثام التي يرشق بها الآخرين، يُهيأ له أن هذه الآلة التي تصرف من المال أكثر مما يحتاجه التأسيس للتنمية الشاملة في بلد عربي فقير،  تتبنى في سياستها، موقفاً باهراً من الولايات المتحدة، وتتربص بإسرائيل، وتعتمد سياقاً كفاحياً، وفي بلدها تنطوي على نظام عصري ديموقراطي، وسياسات انفتاح على شعوب الدنيا، كما سنغافورا وهونغ كونغ ودبي!

غير أن المتابعين والمراقبين، يعرفون نقيض كل ذلك، وما يعرفونه أكثر، أن إعلام هذا البلد، لا يصرف المبالغ الباهظة على إعلامه المعروف وحسب، وإنما يصرف على منظومة من المشاتل البعيدة، التي تزرع الحكايات، ويتعهد الصراف بشراء البضاعة. أي أن تُرسل كلفة المشتل لكي يزرع، ويُردُ المنتوج الى قطر، لذا ترى قناة "الجزيرة"؛ تخرج في مساحات زمنية تلفزيونية لكي تسلط الضوء على حكاية مختلقة، نشرها موقع الكتروني مستنداً الى لا شيء، ويجعلها مادته الهجائية. فالآخرون يتصلون بإسرائيل، ويستأجرون مرتزقة، ويرضخون لواشنطن، ويفعلون كل الذمائم.

واقع الحال، وما تدل عليه الشواهد، هو أن علاقة إسرائيل مع قطر، مستقرة ومحمية من كل العواصف، مثلها مثل العلاقات الإسرائيلية التركية التي تحتفظ بهامش اختلاف، دون المساس بالجوهر. ومعروف أن إسرائيل، لا تقيم وزناً للهوامش الجانبية، إن اطمأنت للجوهر وللمخبوء. أما علاقات قطر مع الولايات المتحدة، فقد تطورت بعد أن قاطعتها أربع دول عربية،  الى اتفاقات أمنية تفصيلية لمحاربة "الإرهاب". والطرف القطري على علم بمفهوم الأمريكيين للإرهاب. ففي عقيدتهم أن الطفل الفلسطيني الذي يُلقي حجراً على المحتلين، أو يدفع بطائرة ورقية باردة الى جهتهم، ليس إلا إرهابياً، وعلى هذا الأساس شمل الإرهاب في الاتفاقات كل عمل مقاوم.

من الطبيعي أن يقاوم القطريون من يقاطعونهم، لكن الغريب أنهم يرمون الطرف الآخر بكل ما فيهم هم قبل غيرهم، وليس بما نزّهوا أنفسهم عنه. ومعنى رسالتهم الإعلامية، أن الدول التي تقاطعهم، على وشك الإنهيار، وأنها على شفير الهاوية، وأن الفوضى وشيكة و"الإخوان" يزحفون وقادمون والمعارضات تحتشد، والدنيا قامت ولن تقعد. وفي السياق، تتمثل إسرائيل، في المعنى الضمني للغة الإعلام القطري، دور فاتنة باهرة لا تُقاوم غوايتها، لذا فإن الجميع وقع في حبالها، والدول بيعت لها، على كل ما في هذه الفرضية، من أسباب لإحباط الناس ومفاقمة يأسهم، بينما إسرائيل نفسها، في سجالاتها الداخلية لا ترى أنها كذلك!

يمكن بهذه المنهجية الجامحة التي أدمنت لعبة القفز في الهواء، أن تجعل تواجد ممثلي الدول العربية في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، شكلاً من التطبيع مع إسرائيل، أو أن تجعل مادة يختلقها موقع الكتروني، عن وجود قبطان يهودي لسفينة رست في ميناء إمارتي، أساساً لبناء تقرير إخباري شائن. أما القاعدة الرئيسة للقوات الأمريكية في الخليج، الموجودة في قطر، فلا يهود فيها ولا موساد ولا طائرات تنطلق وتقصف. وكأن الإعلام الإسرائيلي التابع لليكود، لا شغل له إلا مهاجمة المناضلة قطر، أو كأن تميم نسخة من ملك الحيرة في زمانه، المنذر بن امريء القيس الذي فاز بلقب ابن ماء السماء، الباسل المنزه عن الرزايا، ويصل الليل بالنهار لإحباط الاستراتيجية الأمنية الأمريكية، ولا اتصالات بينها وبين إسرائيل، حتى ولو كان اتصالات من النوع المشفوع بحجم الدول والمعطوف على مواقفها الأساسية. وكأن الحكم في قطر يحمي نفسه بنفسه، من نصف العائلة الذي يعارضه، ومن كل الجوار الذي يعانده، ومن كل الإمبريالية التي يهجوها في إعلامه.

هذه موجة تمر، بعض الناس يسخر منها، وبعضهم يغضب، والبعض الذي يصدق، ستكون خيبة أمله كخيبة أمل الذي يطارد خيط دخان!