قطاع غزة.. المخرج وطني

432591540127889.jpg
حجم الخط

 

يلعب قطاع غزة، شعبياً وفصائلياً، دوراً فاعلاً وأساسياً في المواجهة الفلسطينية الدائرة مع «صفقة القرن». وهذا دور واضح وضوح الشمس، ولا لبسَ فيه، ولا شك، طالما أنه معمَّد بدماء مئتيْن وأربعة من الشهداء، وعشرين ألفاً ويزيد من الجرحى، منذ انطلاق «مسيرات العودة وكسر الحصار»، في نهاية مارس/ آذار الماضي. لكن، في الوقت ذاته، ينبغي التنبّه كما ينبغي، إلى أن القطاع هو أيضاً نقطة ضعف فلسطينية بارزة في إطار مجابهة هذه الصفقة. كيف لا؟ وهو المُحاصَر، المُدمَّر، المُجوَّع، المُثخن بالجراح، المُهدَّد بمجازر إضافية، وربما، بعدوان إبادة وتدمير جديد، والغارق في أزمة خانقة تطال قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل والكهرباء والوقود والبنية التحتية والمياه الصالحة للشرب، بما أتاح، ويتيح لحكومة الاحتلال، والإدارة الأمريكية، أن تتاجرا بمأساة أهله، وتستثمرا فيها، وأن تتخذاها مدخلاً، وغطاء، وعدة شغل، لتمرير الفصل الميداني الأبرز، وربما الأخطر، لهذه الصفقة، آخذين بالحسبان أن ما يُطبَّق في الميدان، ما هو إلا مقدمة للبناء عليه في السياسة، بلا شك أو ريب... وأن ثمة أطرافاً دولية وإقليمية تعمل على تسهيل طريق هذا التطبيق الميداني، عبر ممارسة الضغط على الفلسطينيين، وإن بصورة سرية، أو نصف علنية، وبأشكال مختلفة تجمع بين الترغيب والتهديد.

لذلك، وكي لا يجهلن أحد على أحدٍ، تجدر الإشارة إلى أن مسؤولية انتشال القطاع من مأساته، وتخليصه من نقطة ضعفه، وفكاكه من مأزقه، مسؤولية وطنية، لا حزبية، ومهمة عاجلة، لا تحتمل التأجيل، فأزمة القطاع شائكة، ومعقَّدة، ولا مخرج منها سوى المخرج الوطني... و«الجوع كافر»، وإلا كيف نفسِّر اتساع ظاهرة الهجرة في أوساط الشباب في القطاع؟

وإذا كان من الخطيئة إقدام قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة على اتخاذ إجراءات عقابية بحق القطاع، الأمر الذي يفاقم أزمته، ومأزقه، ويزيد من أوجاع الناس، لا «حماس»، وجعاً على وجع، فإنه من الخطيئة ذاتها أن تراهن قيادة «حماس»، كسلطة في قطاع غزة، على تدخلات أطراف دولية وإقليمية، لتخليص القطاع من أزمته ومأزقه، بينما تعلم أن هذه الأطراف لا تتحرك خارج المشيئة الأمريكية. فهل تزويد القطاع بالسولار القطَري، عبر التنسيق المباشر مع حكومة الاحتلال، ومن فوق رأس قيادة «السلطة» في الضفة هو، (مثلاً)، سلوك بريء؟

على أية حال، وأيضاً، كي لا يجهلن أحد على أحد، تجدر الإشارة إلى أن أياً من طرفيْ الانقسام «فتح»، و«حماس»، لم يقبل «صفقة القرن»، ولا يستطيع، حتى لو أراد قبولها، وإلزام الشعب الفلسطيني بها، كخطة أمريكية-«إسرائيلية» مشتركة لتصفية القضية الفلسطينية، بالمعنى الوجودي للكلمة. وهذه إشارة مهمة للقول: إن تهرُّبَ قيادتيْ «فتح» و«حماس»، من إنهاء انقسامهما المُدمر، ليس بسبب خلاف على الموقف من «صفقة القرن»، إنما بسبب استمرار تنازعهما الفئوي على «سلطة» لا سلطة لها في مرحلة تحرر وطني لم تُنجز مهامها بعد. هذا بينما تعلم قيادتا «فتح» و«حماس» أن توحيد الصف الوطني هو شرط لازم، ولا مناص منه، أولاً لاستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني، وتوحيد جهوده وإمكاناته، وصبها في مواجهة شاملة، مُوحدة، لا ثغرات ونقاط ضعف فيها، تستطيع التصدي لهذا الهجوم «الإسرائيلي» الأمريكي الشامل والمتصاعد، وثانياً، لإغلاق كل الشقوق التي تنفذ منها التدخلات الخارجية، ولسحب الذرائع التي تتغطى بها. ف«القلاع لا تُقتحم إلا من داخلها»، و«القلعة الفلسطينية»، ليست استثناء، بل، ولم تعد محصنة، في أدناه، منذ انقسمت «السلطة الفلسطينية»، عام 2007، إلى سلطتيْن إداريتيْن تشريعيتيْن أمنيتين متناحرتيْن، حتى صارتا، واقعياً وعملياً، عنوانين لتمثيل الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه. عنوانان تلعبُ على خلافاتهما، ومناكفاتهما، أطراف خارجية متعددة الجنسيات، أولها وأخطرها دولة الاحتلال. هذا ناهيكم عن أن انقسام «السلطة» هذا، لا يعدو كونه مظهراً، وإن يكن الأخطر، من مظاهر التفكك والتقسيم والتجزئة السائدة في الحالة الفلسطينية منذ نشوء «السلطة الفلسطينية»، وحلول مؤسساتها وبرنامجها، (أوسلو)، محل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وبرنامجها الوطني المُوحَّد والمُوحِّد. برنامج العودة وتقرير المصير والدولة.