مقاطعة إسرائيل: التحالف "الغريب" بين اليمين واليسار الإسرائيليين!

شلومو افنيري
حجم الخط

عقدت قيادة وزارة الخارجية جلسة مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، مؤخراً، لأول مرة منذ قيام الحكومة الجديدة. 
وكان أحد المواضيع على جدول البحث الكفاح ضد محاولات المقاطعة المختلفة ضد اسرائيل، بينها مبادرة الاتحاد الأوروبي لوسم البضائع التي مصدرها المستوطنات. 
وقالت نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوتوبيلي، أمام الكاميرات الجملة التالية: «وسم منتجات المستوطنات هو مقاطعة ضد اسرائيل»، هذا الادعاء ليس صحيحا، بالطبع، وأفترض أن نائبة الوزير، التي هي قانونية في تعليمها، تعرف هذا.
أولاً، وسم بضائع المستوطنات ليس مقاطعة: فمن يرغب يمكنه أن يشتريها، ولكن لن يكون أي منع لتسويقها وان كان دون إعفاء من الجمارك، ذاك الإعفاء الذي تتمتع به البضائع الإسرائيلية حسب الاتفاق مع الاتحاد؛ يحتمل أن يكون هناك أيضا مستهلكون، معظمهم يهود، كما افترض، ممن سيشترونها بالذات. 
ثانيا، لا يدور الحديث عن مقاطعة اسرائيل وستستمر العلاقات التجارية المزدهرة بيننا وبين الاتحاد الأوروبي (الشريك الأكبر للتصدير الإسرائيلي).
فضلاً عن ذلك، حتى لو عارضنا الاستنتاج النابع من ادعاء الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن نتجاهل بأن له سنداً في الواقع السياسي والقانوني الإسرائيلي: «يهودا» و»السامرة» لم يضما إلى اسرائيل، والقانون الإسرائيلي لا ينطبق عليهما، وعليه فإن الادعاء الذي يطرح على الاتحاد، بأن هذه ارض إسرائيلية بكل معنى الكلمة، لا يصمد في اختبار الواقع. 
والخطوة التي يقترحها الاتحاد بالنسبة لبضائع المستوطنات ليست مريحة لإسرائيل، ولكن عرضها وكأنها مقاطعة لإسرائيل مخطئ ومشوه، بل يخلق الانطباع بأن اسرائيل توجد في حصار اقتصادي لا أساس له من الصحة.
في النقاش حول مقاطعة اسرائيل هناك حلف غريب بين اليمين الإسرائيلي واليسار المتطرف: كلاهما معنيان بعرض الموضوع بشكل أكثر تطرفاً واخطر مما هو حقا. 
فاليمين معني باستخدام محاولات المقاطعة – أو حتى الخطوة الأكثر اعتدالا فيها، مثل وسم بضائع المستوطنات – كي يخلق في الجمهور إحساس الحصار والإثبات بأن «العالم كله ضدنا». 
أما اليسار المتطرف فمعني بأن يضخم الضرر الذي تلحقه سياسة الحكومة وتعظيمه، كي يثبت أي حكومة فظيعة تسيطر في اسرائيل. 
هؤلاء وأولئك، لاعتبارات متعاكسة وانطلاقا من مصالح سياسية ضيقة، يضعفون مكانة اسرائيل ويخلقون في البلاد إحساسا صعبا يشذ عن الواقع، فمع أن الواقع ليس سهلا، الا انه بعيد عما يوصف كـ «هجمة» ضد اسرائيل.
حتى من لا يتفق مع المواقف السياسية لحوتوبيلي ما كان يريد أن تتضرر المصداقية الدولية لإسرائيل بسبب إطلاق ادعاءات لا أساس لها من الصحة. 
يمكن خوض الكفاح في هذا الشأن دون الانجرار إلى الديماغوجيا السياسية، التي تنتج مرابح في الخطاب السياسي الداخلي في البلاد، ولكنها تخلق عرضا عابثا في الرأي العام في البلاد وفي العالم.
شيء مشابه يحدث في ما يسمى محاولات المقاطعة الأكاديمية على اسرائيل، ولا سيما في الولايات المتحدة. 
في بعض الجامعات هناك مجموعات صغيرة من الطلاب، ولا سيما من اليهود ومن المهاجرين من اسرائيل – تحاول الدفع إلى الأمام بمقاطعة مؤسسات أكاديمية في اسرائيل؛ في بعض الجامعات اتخذت منظمات طلابية قرارات أو توصيات بهذه الروح. 
كل خطوة في هذا الاتجاه تلقى صدى هائلا في اسرائيل، يتجاوز أهمية الخطوات في الولايات المتحدة نفسها.
حتى الآن لم تتخذ أي جامعة أميركية قرارا بالمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. وكما أشار مؤخرا ايف فوكسمان، المدير العام المنصرف للعصبة ضد التشهير، يوجد في الولايات المتحدة قرابة 3 الاف جامعة وكلية، والنشاط من أجل المقاطعة يجري في اقل من 70 منها، وبرأيه، فإن التعاطي مع هذا النشاط وكأنه «تهديد استراتيجي» يخدم فقط حفنة النشطاء ويمنحهم تغطية إعلامية لا تتناسب ووزنهم. فوكسمان، الشخص المعتدل المعروف بتأييده العميق لاسرائيل، يعرف الواقع الاميركي أكثر من كثير من المتفرغين والسياسيين الاسرائيليين، الذين لم يزر بعضهم، على افضل علمي، أي حرم جامعي اميركي ابدا.
حقيقة أنه في بعض الاتحادات المهنية للمحاضرين في الولايات المتحدة اتخذت قرارات في صالح المقاطعة قد تخلق أجواء غير لطيفة، ولكن ليس لها معنى كبير: في كل سنة تتخذ اتحادات كهذه عشرات القرارات ذات الطابع السياسي والتي لا يهتم بها أحد. 
كل من يعرف الولايات المتحدة يعرف أن في الجامعات الأميركية، وفي الندوات الأكاديمية الأميركية، يوجد أضعاف من الإسرائيليين مما يوجد من مندوبي الدول الأوروبية ذات عدد السكان المشابه، بل كنت سأتجرأ  حتى على القول بان فيها إسرائيليين اكثر من البريطانيين أو الفرنسيين: فالمشهد الأكاديمي الإسرائيلي دولي أكثر من المشهد الأكاديمي للدول الأوروبية؛ وبالفعل كانت حالات قليلة رفض فيها أكاديميون أجانب زيارة البلاد، ولكن الحجم الدولي للنشاط الأكاديمي الإسرائيلي لا يزال مثيرا للانطباع وعديم كل توازن مع حجم اسرائيل. كما أن حجم منح البحث التي يحظى بها الباحثون الإسرائيليون من صناديق ومؤسسات في خارج البلاد وعدد المقالات العلمية للإسرائيليين والتي تنشر في المجلات العلمية الأكثر اعتبارا في العالم يفوق بكثير حجم الدولة. في هذا الشأن أيضا، ليس كالصرخة نفسها».
* * *
موضوع آخر، ولكنه موازٍ: د. رائف زريق نشر مؤخراً مقالا عنوانه «1967 هي استمرار لـ 1948»، هاجم فيه أساسا اليسار الصهيوني الذي يسعى إلى التمييز بين ما حصل في 1948 وبين احتلالات 1967 («هآرتس» 22/7). وحسب زريق لا يوجد أي فارق: هنا وهناك كانت حرب استعمارية إسرائيلية هدفها سلب الشعب العربي الفلسطيني وطنه.
هذا الادعاء، بالطبع، ليس جديدا ومثلما في حالات أخرى له ما يوازيه في اليمين الإسرائيلي الاستيطاني، الذي يدعي بأنه لا يوجد أي فرق بين مستوطنات في الضفة والتوطن الصهيوني قبل قيام الدولة. 
تعبير متطرف عن ذلك قاله في حينه أرئيل شارون، حين قال قبل صحوته من جنون العظمة الإقليمي الذي أصابة، إن «حكم نتساريم كحكم تل أبيب». في هذا الشان أيضا ارتبط اليمين الإسرائيلي المتطرف بادعاءات اليسار المتطرف المناهض للصهيونية، وواضح أن الطرفين معنيان باحتدام النزاع وليس باعتداله أو حله.
ولكن في مقال زريق توجد نقطة أخرى: من يدعي بأن حرب 1948 كانت جزءا من الخطة الاستعمارية الصهيونية يقول عمليا إنه من ناحية الفكر التقدمي، كان الانتصار الإسرائيلي في 1948 انتصارا استعماريا وان من كان ينبغي أن ينتصر هو الطرف العربي. زريق لا يقول هذا صراحة، ولكن هذا هو الاستنتاج الناشئ عن أقواله.
إذا كان هكذا – ومن الصعب الافتراض بأنه يعتقد خلاف ذلك – فإن من يمثل القوى التقدمية والمناهضة للاستعمار في 1948 كان المفتي، المتعاون مع النازيين، وبالأساس جيوش الملك فاروق من مصر، قوات الفيلك العربي للأمير عبد الله من شرق الأردن (بقيادة العقيد البريطاني جون غلوب باشا)، الجيش العراقي لحكومة نور السعيد (الحليف الأوثق للبريطانيين) والذي وصل حتى طولكرم، وقوات سورية كانت الحليف الأقرب لفرنسا. 
وحسب منطق زريق، لو كانت انتصرت هذه القوى المناهضة للإمبريالية واختفى الكيان الاستعماري الصهيوني من خريطة الشرق الأوسط، لسار هذا بثبات نحو مستقبل تقدمي ومناهض للاستعمار على نحو لامع.
تشويه؟ جهل؟ ليس بالضبط – هذه ببساطة قومية متطرفة عنصرية عربية، تلتف بهذر تقدمي مزعوم ولا ترى سوى القومية العربية شرعية وتستحق اقامة دولة قومية: باسم القومية العربية العنصرية هذه قمع نظام صدام حسين («التقدمي») الأكراد وحقهم في تقرير المصير، وباسمها يرى نظام بشار الأسد العلماني في حركة إسلامية كـ «حزب الله» حليفه الأفضل في الحرب الأهلية.
من المشوق أن نرى أنه في فكر زريق المناهض للاستعمار لا يذكر انه في 1948 أيد الاتحاد السوفييتي – القوة العظمى المناهضة للاستعمار على نحو واضح في ذاك العصر – أيد مشروع تقسيم الأمم المتحدة وإقامة دولة يهودية في قسم من «بلاد اسرائيل الانتدابية». في موسكو أجادوا في أن يروا أن الجهة الوحيدة التي كانت تقاتل في حينه ضد الإمبريالية البريطانية في المنطقة هي الحركة الصهيونية، وان كل الدول العربية كانت حليفة للإمبريالية. 
لقد أدان الاتحاد السوفييتي الاجتياح العربي، بل حرص على توفير السلاح لإسرائيل للدفاع عن نفسها.
وزير التاريخ على ما يبدو لا يتفق مع زريق، والقوى التقدمية لفاروق، عبد الله، ونور السعيد لم تنتصر في 1948. 
وكنتيجة لذلك فإن زريق، الذي تعلم في الجامعة العربية وكتب رسالة الدكتوراه في هارفرد عن كانت، يعلم الآن فلسفة القانون في جامعة تل أبيب وهو مدير أكاديمي لمركز منرافا للعلوم الإنسانية، والذي تموله ألمانيا – وحسن أن هكذا، هكذا ينبغي أن يكون في الدولة اليهودية التي هي أيضا دولة كل مواطنيها.

عن «هآرتس»