مونتي كارلو : بذور انتفاضة فلسطينية ثالثة قد أينعت

intefadah
حجم الخط

وراء كلتا الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية بعض الأحداث التي تبدو في ظاهرها معزولة عن بعضها البعض، ولكن توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو التي تحاصرها المستوطنات بأشكال بشعة يظل العامل الأساس الذي يقف وراء الانتفاضتين. وتنطبق هذه الملاحظة على ما يمكن النظر إليه اليوم بوصفه أرضية انتفاضة ثالثة تبدو وشيكة.

فالشرارة التي أشعلت نار الانتفاضة الأولى التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول عام 1987 في معبر بيت حانون أو إيريز حسب المصطلح الإسرائيلي تمثلت في إقدام سائق شاحنة إسرائيلي على دهس عمال فلسطينيين مما أدى إلى مقتل أربعة منهم. وكان إصرار أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على اقتحام باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه المدججين بالأسلحة في شهر ديسمبر-كانون الأول عام 2000 وراء الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

أما بذور الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، فإنها تتمثل في عدة أحداث تقع منذ عدة أسابيع . وهي شبيهة بأحداث مهدت لانطلاق الانتفاضتين الأولى والثانية و لديها كلها علاقة بالاحتلال والاستيطان وانعكاساتها على واقع الفلسطينيين اليومي . ومنها مثلا اقتحام المسجد الأقصى ذاته في الأيام الأخيرة من قبل مستوطنين. وربما تكون البذرة الأساسية التي تهيئ بسرعة لإشعال نار انتفاضة فلسطينية ثالثة تتمثل في إقدام مستوطنين على إضرام النار في منزل أسرة فلسطينية في بلدة دوما التابعة لمحافظة نابلس بالضفة الغربية. وقد أدت العملية إلى مقتل رضيع يبلغ عمره عاما ونصف العام حرقا . ولا يزال أبوه ووالدته وأخوه ذو السنوات الأربع يصارعون الموت في المستشفى .

وصحيح أن إيقاف الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية كان يعزى إلى وعود قدمت للفلسطينيين تصب كلها في مصب واحد هو تخفيف الاستيطان وفتح طريق تقود الفلسطينيين إلى العيش في إطار دولة مستقلة منيعة معترف بها من قبل الأسرة الدولية.

فنهاية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1991 كان يعزى أساسا إلى مساع دولية لإقناع الفلسطينيين بأن أمامهم في ذلك الوقت أفقا من خلال مفاوضات كانت تجري في الخفاء بين قيادات فلسطينية بإشراف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من جهة وإسرائيل من جهة أخرى للبدء في تعبيد الطريق المؤدية إلى إنهاء الاحتلال بجميع أشكاله ولاسيما الاستيطان.

وانتهت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في فبراير /شباط عام 2005 لأن الأطراف الفاعلة داخل الأسرة الدولية وفي صدارتها الولايات المتحدة الأمريكية حرصت على إقناع الفلسطينيين بأنها أصبحت تدرك سبب شعورهم بالإحباط إزاء نتائج مسار أوسلو.

أما الانتفاضة الثالثة ، فإنه بالإمكان أن تطول أكثر من اللزوم في حال اندلاعها –وهي فرضية أصبحت جادة – لأن هناك قناعة لدى الغالبية الساحقة من الفلسطينيين بأن لا أحد يهتم اليوم فعلا بمعاناتهم اليومية في ظل اتساع رقعة الاستيطان واتساع غطرسة المستوطنين بدليل أن غالبية ملفات الشكاوى الفلسطينية ضد الاعتداءات والتجاوزات التي تطال الفلسطينيين يتم إغلاقها بسرعة.

هذه القناعة الفلسطينية بأن لا أحد أصبح يهتم بمعاناتهم اليومية يحتد وقعها على الشعب الفلسطيني الذي أصبح لا يثق حتى بقياداته لا يثق بإمكانية الدول العربية حكاما وشعوبا على مساعدتهم. ولم يعد يثق أيضا بالأسرة الدولية كلها والأجهزة التي تمثلها وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي.

ويرى كثير من الفلسطينيين في عدم تجاوز حد التنديد من قبل الأسرة الدولية برمتها بالجريمة الأخيرة التي اقترفها مؤخرا مستوطنون يهود ضد أسرة فلسطينية في بلدة دوما مؤشرا على أن بذور الانتفاضة الثالثة قد أينعت.