بدا واضحاً من خلال الزيارات المكثفة للوفد الأمني المصري، أن جهوداً حثيثة تُبذل، للتوصل الى تهدئة مستقرة، والى مصالحة فلسطينية تستوجبها التحديات الماثلة، مثلما يتطلبها الإقليم والدول المساندة للقضية الفلسطينية. ومعلوم أن هذه الجهود، تقاطعت مع نقاط الوجع الفلسطيني في غزة، ولا بد أن يكون الأشقاء المصريون، قد لامسوا هذه النقاط، وأدركوا أن تسهيل حياة المواطنين الفلسطينيين هو أحد العناصر المساعدة على الحل، وأن المسألة الأمنية، والروقة السياسية الفلسطينية، موصولتان بالمسائل الإنسانية، وليس بالضرورةة قرنٍ أو عصر. أما الحديث عن عقوبات لشعب لم يرتكب جُرماً، وإنما مورست بحقه كل أنواع الحرمان، وظل على ثوابته؛ فإنه يفاقم الخصومة ويتهدد السلم الأهلي، ويدفع الناس الى اليأس والبحث عن أي حراك أو زلزال!
لا يختلف اثنان، على أن لدى كل الأطراف ما ينبغي تعديله والتراجع عنه، وعلى أن أي انفراج، لا يستجيب لمطلب إعادة بناء النظام الفلسطيني، سيكون ناقصاً. فليس هناك الآن، ما يمكن البناء عليه، أي ليس هناك حكم راشد، لكي يلتحق به حكم ضال. ولن ينجح أي توافق يقوم على فرض الإرادة الفصائلية، دون الرجوع الى الشعب. فلا مناص من أن يسترد الشعب الفلسطيني حياته واقتصاده وكل حقوقه لدى من يحكمون، لأن الحكم في الأصل، تكليف وليس فرض أمرٍ واقع. لذا فإن المصالحة التي نتوخاها، هي تلك التي تذهب بالمجتمع الفلسطيني الى لحظة تحديد خياراته فيمن يحكمون وكيف يحكمون، عبر من يفوضهم ويحمّلهم الأمانة، وما دون ذلك سيعدنا الى المربع الأول!
المجتمع الفلسطيني في حاجة الى التقاط الأنفاس، والى العودة الى حياته الطبيعية، لأنها هي الضامنة للحفاظ على ثقافته وعلى مدركات قضيته. والراغبون في البقاء في السلطة، ليس أمامهم الا المنافسة الديموقراطية التي تقوم على مبدأ التداول، والعودة دورياً الى الشعب في المواعيد التي تحددها الوثيقة الدستورية.
بخصوص المقاومة وسلاحها، فإنهما حق طبيعي للشعوب الرازحة تحت الاحتلال. ونحن في فلسطين، لسنا خاضعين للاحتلال وحسب، وإنما نواجه قوة احتلالية غاشمة، لا تكتفي باحتلالها، وإنما تعتدي علينا في كل يوم. وإن كان لا بد من مراعاة حقيقة الإختلال الكبير في موازين القوة، فإن هذا لا يمنع من الحفاظ على ما تيسر من القدرة على الدفاع عن النفس، على قاعدة التأطير الدستوري للمقاومة في غزة، باعتبارها قوة دفاع مشروعة، لا شأن لها بتفصيلات الحكم، ولا بمن يحكم.
واضح أن الاشقاء المصريين، نجحوا في منع التصعيد على جبهة الخصومة الفلسطينية الفلسطينية، وأوقفوا التداعيات التي ألمح اليها عباس غير مرة. فلم يعد الأمر منوطاً بغرائز فئة لا تريد النظر الى المشهد العام ولا أن تتحسس جوانب المأزق الفلسطيني. وللأسف، كان آخر ما يفكر فيه الطرفان المتخاصمان، هو المجتمع وحياته ورأيه وخلاصات تجربته وجاهزيتة لأن يطاوعهما. لذا كان لا بد من تدخل الأشقاء، لكي لا تستمر هذه المهزلة التي لا نتيجة لها سوى الإندثار. وواضح ايضاً، أن الأمور في الأسابيع الأخيرة أصبحت تختلف. فالوسطاء المصريون حاضرون، والأمم المتحدة حاضرة، والمجتمع الدولي كله يريد إنهاء المهزلة، بل إن المحتلين أنفسهم، أصبحوا يستشعرون مخاطر خنق سكان غزة وحرمانهم. إن المحنة يجب أن تنتهي، على الرغم من أنوف المستفيدين منها. لا زلنا حتى الآن، في بداية الطريق الى الحقيقة والعدالة، لكن عذاب غزة أنتج حقائقه الموضوعية، التي تتجاوز كل عناد!
