يُصر الإرهابيون الخونة، على الإستمرار في قتل الأبرياء. ولا زالت بوصلتهم ترى أن من الشجاعة ومن الحصاد الحلو، أن يهجموا على حافلة تُقل آمنين من بينهم أطفال، لمجرد أنهم يتعبدون وفق دين آخر، أو بفقه يختلف عن فقههم الضال الرديء، الذي يأخذهم الى مربع الردى واللعنة الآلهية الأبدية. ولجهلهم لم يعلموا حتى الآن، بعد كل ما مر عليهم، أن ما يفعلونة بمعايير الدين الإسلامي، هو المعصية بعينها وهو من الكبائر ومن الكُفر بعينه، وأن ما يفعلونه بمعايير الوطن هو الخيانة، وما يفعلونه بمقاييس الشجاعة هو الجُبن، ما يعني أن مقاولي تجنيد المرتزقة، لن يقبلوا بهم كجنود مرتزقة في ميادين الحرب النظامية. فما يتبدى في سلوكهم بمقاييس الطهارة هو النجاسة التي لا يمحوها كل ماء الدنيا. أما على صعيد القضايا، فإن هؤلاء الضالين لا تُعرف لهم قضية، إذ يهجمون على المسجد وعلى الكنيسة وعلى عابري السبيل وعلى حافلات الآمنين وعلى جنود يؤدون واجباتهم للحفاظ على الدولة والمجتمع!
الحرب الواجبة، لاجتثاث هذه الآفة، ماضية في طريقها وصولاً الى اجتثاث آخر نجس من هؤلاء الأوغاد. لكنها حرب، وإن كانت أمراً لا مفر منه، لها أعراضها الجانبية الفادحة، وهي صرف أنظار ومجهودات الأمم عن قضايا الإستقلال الوطني والتنمية وتعزيز الإستقرار وصنع السعادة. وهنا، عند هذه النقطة، يبدأ التفتيش والتقصي عن المرجعيات ومنابع الشر. وهذه لا يعقل أن تكون مجموعة من هؤلاء الجهلة والمأزومين. فمن خلال منظوماتها وشبكاتها، نعلم أن أصلها ليس إلا عند صُناع الفتن والعذابات وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعوب وإفقارها. وليس أحداً يمكن أن يدلنا على سبب واحد، يبرر الفصل بين فقه هؤلاء الخونة وفقه المجموعات التي تتجنب العنف الآن وإن كانت تُضمره. فالجذر الفقهي واحد، وإن اختلفت التطبيقات أو التكتيكات. وفي كل مرة، وُجدَ هؤلاء على تماس جغرافي مع إسرائيل، أو كانوا في البلدان التي تنشط فيها المخابرات الإمبريالية، يُماط اللثام عن وجوههم بسهولة. ففي جنوب غرب سوريا، كانت مجموعة "النُصرة" المدججة بالسلاح، على تماس جغرافي مع جيس إسرائيل، ولم يُخف الطرفان الوداد والتعاون بينهما في التسليح والشؤون الإدارة والطبابة. ويحفل التاريخ الحديث بوقائع مثل هذه الممارسات التي اكتسبت وصفاً مخففاً، هو "سياسة فرّق تَسُد". والمسألة في جوهرها، لم تكن مجرد التفريق بين مُكوّنٍ وطني وآخر، وإنما دفع المكونات كلها لأن تتخذ في ما بينها أعداءً ألداء، تتقصدهم بالسكين والرصاصة والمتفجرة، وليس خافياً على دارس مبتديء في التاريخ، أن البريطانيين في الهند وفي غير بلد في العالم، كانوا سبباً في شلالات دم. وكان لافتاً أنه كلما ضاقت مساحة النشاط والمناورة بالنسبة لأمراء الإقصاء والفتنة والغُلوْ، تكون لندن وسائر المدن البريطانية هي الحاضنة الآمنة لهم، وكأنهم ديمقراطيين اختلفوا مع أنظمة الحكم في بلدانم وطالبوا بالحرية فاستحقوا الإيواء!
لعل أخطر ما في حركة هؤلاء أن القوى المحركة لهم، توفر لهم التواصل والتسلل والتناغم وتكامل الأدوار في ميادين نشاظهم.
هجوم الإرهابيين الخونة على حافلة المواطنين الأقباط في المنيا، هو جزء من الحرب على الدولة المصرية لكي تسقط. ويتبدى منتهى النذالة، أن الجريمة حدثت بعد أيام قليلة، من هجوم جنود الإحتلال الإسرائيلي، على موضع التواجد الرمزي للكنيسة القبطية في القدس. مدبرو الهجمات يعلمون أن الدولة لن تسقط، لكنهم يدفعون المعتوهين الأشرار الى الجريمة، غير مبالين بدم ضحاياهم ولا بدمهم. هي محاولة لعلها تهز قوة الدولة فتضطرها الى التنازل عن مشروع اجتثاث الإرهاب من جذوره، فيربح المتربصون بمصر جولة لها ما بعدها. لكنهم في مثل هذه المقاربات واهمون، لأن مصر سوف تقطع دابر هذه الآفة، مهما كانت التضحيات!
