قد لا تكون جريمة إقدام ستة مستوطنين على إضرام النار في بيت فلسطيني آمن، لتستحق كل هذا الاهتمام الواسع لو أنها كانت حدثاً معزولاً، أو حدثاً فردياً يسعى وراء الانتقام لسبب أو آخر.
في حالة كهذه يكفي أن ينال المجرمون عقابهم وينتهي الأمر، غير أن جريمة حرق بيت آل دوابشة، وسكانه الأحياء ما أدّى إلى وفاة الرضيع علي، وتعريض حياة والديه، وشقيقته للخطر، تندرج في سياق عام، يشير بعمق إلى طبيعة التحولات التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.
الرئيس الإسرائيلي ريفلين اعترف بأن ثمة هشاشة في التعامل مع الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين، والمحلل السياسي بن يشاي يبشر بقدوم الجهاد اليهودي الداعشي. ما يؤكد أن ما جرى بحق عائلة دوابشة، إنما هو نتاج لسياسة عامة، تقوم على دوام الاحتلال، والعنصرية ضد الفلسطينيين.
الجيش الإسرائيلي الذي يرعى ويحمي ظاهرة تشكل وتبلور ميليشيات المستوطنين، يحاول الإيحاء بأنه محايد في صراع بين مجتمع المستوطنين والمجتمع الفلسطيني، لكن استمرار وتطور هذه الظاهرة ينطوي على تهديد خطر للمجتمع الإسرائيلي.
بعد قليل من الوقت، ستكون حكومة إسرائيل ومجتمعها أمام انقلاب السحر على الساحر فالمجتمع العنيف والمتطرف، سيرتد عاجلاً أم آجلاً على البيئة التي خلقته. انفلات المستوطنين في ظل حكومة شديدة التطرف، من شأنه أن يخلق لإسرائيل ظاهرة إرهابية سيكون من الصعب عليها استيعابها والحد من خطورتها.
قبل جريمة حرق بيت آل دوابشة، كانت إسرائيل الرسمية، قد اندفعت نحو مرحلة من التصعيد الخطير في مجال الاستيطان، وفي باحات المسجد الأقصى، وداخل سجون الاحتلال، وبالتالي فإن سلوك المجرمين يشكل جزءاً مكملاً من هذا السياق.
بعض المحللين الإسرائيليين حذروا من أن تنظيم الدولة الإسلامية سيتحول بعد وقت ليس ببعيد إلى العمل ضد إسرائيل، لكن هؤلاء لا ينتبهون إلى أن ظاهرة «داعش» اليهودية، قد بدأت في الظهور قبل «داعش» الإسلامية، وانها اليوم في مرحلة التبلور، والعمل.
الرئيس الإسرائيلي ريفلين أشار إلى حقيقة تاريخية وهي أن القضاء الإسرائيلي كان دائماً متسامحاً إلى حد الدهشة، إزاء من ارتكبوا جرائم بحق الفلسطينيين، ما يعني بالملموس أن الدولة ترعى الإرهاب، وتشجع على ممارسته.
أرشيف الأمم المتحدة، طافح بالاتهامات المعلّلة على ارتكاب إسرائيل الرسمية، جرائم حرب ضد الفلسطينيين، والعالم لم ينسَ ما ارتكبته إسرائيل وجيشها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة خلال الحروب الثلاث التي شنتها ضد قطاع غزة.
الأسبوع الماضي، كانت «أمنستي» قد أصدرت تقريراً يشير إلى أن ثمة أدلة دامغة، على ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب في رفح، هذا عدا عما ورد في تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان بشأن الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع العام الماضي.
إسرائيل الرسمية ومجتمعها بكليته تندفع نحو مربع الصراع وتقطع كل محاولة لإنعاش المفاوضات وعملية السلام، وفي المقابل يتردد الفلسطينيون عن الاستجابة بما ينبغي على هذا التحول. كان علينا نحن الفلسطينيين أن نكون المبادرين، من واقع تقييمنا لنتائج مرحلة طويلة من المفاوضات والمحاولات والمبادرات من أجل تحقيق السلام، لكن إسرائيل اشتغلت كل الوقت ومن خلال وقائع ملموسة على الأرض، لنسف كل إمكانية لتحقيق السلام.
إذا كان المجتمع الدولي لا يريد الاعتراف بهذه الحقيقة، وبالتالي يمارس ضغوطه على الطرف الفلسطيني، من أجل منع التصعيد فإن هذا المجتمع بمسمياته المعروفة أميركا، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، هذا المجتمع متهم بالتواطؤ مع السياسة الإسرائيلية والجرائم التي ترتكبها. لا يكفي لوقف جرائم الجيش والمستوطنين، أن يعبر الرئيس الإسرائيلي عن جملة مما وقع بحق آل دوابشة، أو أن يدين نتنياهو الجريمة، ولا يكفي أن تنطلق تصريحات الإدانة من أميركا، وبان كي مون ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، فكل هذه الإدانات، لا تؤخر ولا تقدم وهي لم تمنع المستوطنين من مواصلة اعتداءاتهم على الفلسطينيين وأراضيهم ومزارعهم حتى بعد وقوع جريمة فجر يوم الجمعة.
في فمي ماء، والمقام لا يسمح بأن يعبر الإنسان عن كل ما يجول بخاطره، خصوصاً إزاء طبيعة الوضع الفلسطيني، وطبيعة الردود على الجريمة ومدى فاعلية هذه الردود. ما نتمناه تجاوز مرحلة التصريحات التي تنطوي على تهديدات ووعود، ثم تنتهي إلى مواصلة سياسة التأجيل والتردد. إسرائيل، بجيشها وشرطتها وأجهزة أمنها، ومستوطنيها، قد خلقت مناخاً من العنف والإرهاب يتطلب انتفاضة شعبية عارمة في كل أنحاء الضفة الغربية، لكن اندلاع هذه الانتفاضة يحتاج إلى ترميم البيت الفلسطيني الداخلي واستعادة الوحدة، وهنا تكمن المسؤولية التاريخية للقيادات السياسية.