واقع الشعب والسلطات في بلادنا

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لم يعد هناك من سبيل الى استعادة قوة الدفع الحيوية للشعب الفلسطيني، سوى حراك اجتماعي وطني، يتولى تظهير مواقف الجماهير الفلسطينية حيال كافة شؤونها وشؤون قضيتها. ولن يكون هذا الحراك،  إلا بعملية ديموقراطية  ترعاها هيئة انتخابات مستقلة ومراقبون دوليون محايدون، من الإقليم ومن العالم. فلا شيء يمكن أن تتذرع به سلطتا الأمر الواقع الفلسطيني، لتمديد أجل الأوساط المتنفذة فيهما، والممسكة بمقادير الناس والسلطات العامة. ليس أولئك الذين اعتمدوا خيار التسوية، أفلحوا في السياسة من حيث كونها وسيلة دفع لا عنفية، تعكس من خلال أدائها زَخَمَ العمل الوطني ووحدة أطياف الشعب وفاعلية العمل التنظيمي، ولا الذين اختاروا المقاومة، أفلحوا في الحفاظ على ديمومتها، من خلال استراتيجية عمل مُحكمة تتخير مواضع خطواتها بلا انفعالات ومبالغاتات وقفزات في الهواء، وتستحوذ على رضا الجماهير الفلسطينية عن سلوك الحكم باسم المقاومة وموجباته المتعلقة بالزُهد والوطنية والترفق مع الناس.

الأولون، باتت وظيفتهم الأساسية هي التنسيق الأمني والحفاظ على أدوارهم. والأخيرون أصبح دورهم الأساس هو الحفاظ على رؤوسهم. وفي كل جانب، جرى رمي المجتمع في سفح السلطة أو في قاع الوادي، لتتفشى اللا مبالاة الشعبية حيال كل التطورات، ويتردى الوضع الوطني العام!    

لكي تُستعاد حيوية المجتمع وقوة الدفع السياسي لوجوده على الأرض الفلسطينية، لا بد من العودة الى الإحتكام للشعب. ولن تكون هناك وساطة، من الأشقاء، أنبل ولا أجدى من الوساطة على هذا الصعيد، لأن الوساطات الجارية اليوم، تحاول تطويق النتائج ولا تتصدى للأسباب. ومعلوم أن محاولات حل أية إشكالية، بمنطق أعراضها ونتائجها، وليس بمنطق أسبابها، سيجعلنا أمام احتمالات تجدد الإشكال، المرة تلو الأخرى. أما الحل الناجع، فلا يكون إلا بالتصدي للأسباب لكي يجف نبع الإشكالات!

المعطيات التي أمامنا، تقول إن سلطة عباس لن تتغير ولن تُعيد الإعتبار للمؤسسات الدستورية، ولن توسع دائرة المشاركة حتى في إطارها نفسه، ولن يتخلى الرجل الممسك بكل الخيوط، عن أيٍ من الصلاحيات التي استحوذ عليها من وراء القانون الأساسي، وشملت السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن جراء ذلك، فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية ولاء الكتلة الشعبية، وبدا أن الرجل نفسه لا يريدها. فللمرة الأولى في تاريخ فلسطين المعاصر، تفقد الحركة الوطنية تأييد الكتلة الشعبية الفلسطينية. وبعد أن تحول ولاء قطاع معتبر من هذه الرأي العام، لفترة من الزمن، الى أطر المقاومة المسلحة بخطى متسارعة، تراجع هذا التحول، بجريرة سلوك الممسكين بمقاليد السلطة في غزة ومنهجية الحكم الإقصائي، ومآلات المقاومة نفسها التي أصبحت غايتها التوصل الى الهدنة تلو الأخرى، في سياق البحث عن هدنة مديدة.

ليس في مقدور أحد، إنكار هذه الحقائق، ومن ينكرها عليه أن يتفضل ويخوض الغمار الديموقراطي ليعرف رصيده من التأييد الشعبي.

نحن بصدد طرفين يمضيان في خطين لا يلتقيان. كل منهما يزعم لنفسه شرعية يخشى من اختبار صدقيتها. وكل منهما يتمسك بأكذوبته. الأول يزعم أنه هو المؤتمن على القضية الوطنية والوصي عليها، وليس هناك مجتمع يألم ويعرف كل موجبات الإستمرار في حركة التحرر الوطني، ويزخر بالكفاءات، والطرف الثاني يزعم أن لا مقاومة بدونه وليس هناك من يؤتمن على كل مدركات القضية الفلسطينية سواه، ذلك علماً بأن الأبناء في الضفة وغزة، في عملياتهم الفردية، وفي مسيرات العودة، قدموا أسطع دليل على أن المجتمع الفلسطيني أصدق من سلطاته وأشد تمسكاً بقضيته.

ما نحتاجه اليوم، هو قيادة فلسطينية يفوّضها الشعب، وليس قيادة ترث الحركة الوطنية وتمتطيها وتذهب بها في الاتجاه المعاكس، ولا قيادة وطنية تؤسس لنفسها مشروعية بالمقاومة، وبعد أن تتمكن، تريد أن تفرض مشروعية حكمها على المجتمع. فقد يئست الناس من السلطتين، ودخلت في طور اللا مبالاة، ولا عودة لحيوية الشعب الفلسطيني، إلا بالحراك الديموقراطي!