لينظر الطرفان في المرآة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

يرتسم الآن، المشهد الفلسطيني على النحو الذي تريده إسرائيل. ويتبدى واضحاً تكريس الفصل بين الضفة وغزة، إذ يحرص كل طرف على التفرد وتعميق الإنقسام، وعدم البحث عن صيغة واقعية للمصالحة، ولا عن تفويض شعبي. والطرفان يرفضان أية عودة للاحتكام الى الشعب، ويتحاشيان المأسسة كل في منطقته، بذريعة تحاشي العمل على إقامة كيان منفصل، وفي حقيقة السياق، يجري تأسيس كيانين منفصلين بحجة تحاشي الانفصال!

واضح أن سعي رئيس السلطة محمود عباس الى إخضاع حماس لشروطه للمصالحة معها، من خلال محاصرة غزة وإقصائها وحرمان موظفيها من حقوقهم الكاملة في الرواتب والخدمات؛ قد باء بالفشل الذريع، ولم ينجح حتى الآن الا في تعميق الإنقسام وإيذاء الناس ومفاقمة مأزقها الاجتماعي ــ الإقتصادي، وفي إضعاف السلطة الفلسطينية وإضعاف نفسه، وتعزيز موقف حماس لكي تظل تحكم غزة كقوة أمرٍ واقع تنفتح لها الآفاق السياسية. ولم لا سيما وهي أصبحت تعتمد مثل عباس تكتيكات التواصل مع إسرائيل، وترفض مثله المقاومة، وتتمسك مثله بالسلطة، وتمارس عناداً مثل عناده وفساداً يُحاكي فساده، وإقصاءً للمجتمع مثل إقصائه؟!

كثيرة ومتنوعة، ممارسات التصنيف المناطقي والقرارات الرعناء و"معاقبة" سكان غزة، التي اختارها عباس أسلوباً في الحكم وفي مقاربات سياسته الداخلية. ومثلها كثيرة الممارسات التي اعتمدتها حماس بإبقاء القبضة الأمنية واعتصار المجتمع في غزة والدفع الى حروب خاسرة لإضعافه وتعميق جراحه، لكي تبقى راسخة على الأرض كقوة أمر واقع، ليس لها من سند قانوني أو دستوري، بخاصة عندما انتهى بها الحال الى التفاوض على وقف تطيير البالونات والطائرات الورقية مقابل فتح طرق الإمداد الإسرائيلي وإغلاق فوهات النار. فقد طويت كل الثرثرات القديمة بلغة التخوين، التي تعرضت لها فتح  وعلى رأسها الشهيد الباسل الزعيم ياسر عرفات، عندما اضطرته معطيات الواقع الى أخذ جسم الحركة الوطنية وكادرها الى الجغرافيا الفلسطينية، مُضمراً أن يضع شعبه على أول طريق الإستقلال الوطني والوحدة، وأن يضمد المجتمع الفلسطيني جراحه التي تراكمت عبر عشرات السنين، ويتلقى حقوقه المتعلقة بالعيش الإنساني، كاملة، دون المساس بالثقافة الوطنية أو بالشراكة الوطنية، وأن يذهب الفلسطينيون في طريق كفاحهم التاريخي، على قاعدة العمل وفق استراتيجية فلسطينية واحدة!  

 منهجية حماس التي لم تأخذ، منذ ظهورها، معطيات الواقع في الحسبان؛ كانت مع عباس، سبباً في تعويم وإشاعة منطق التسول، وطلب الإغاثة بمقومات الحياة دون السياسة. وحماس تحديداً، كانت سبباً في جعل الفعاليات الشعبية نفسها، محض حراك مطلبي في اتجاه إسرائيل، قابلته هذه القوة الغاشمة التي أدمنت الجرائم، بعمليات كَيْ بالنار لجسم وعقل المجتمع الفلسطيني، بالقتل العشوائي وإزهاق أرواح الأبرياء، والإحساس العميق بالخسارة دونما أرباح.

 أمام طوفان الحرمان والخسائر، لم تتردد حماس في جعل عودة التيار الكهربائي نصراً، وكأننا قبل ظهورها كنا بلا كهرباء وبلا خدمات!

أما حماقة عباس ومجموعة معاونية، التي اختارت أسلوب الضرب في المربوط لكي يخاف السائب، وتفاخرت بعقاب غزة وبحرمان الموالين للنظام الرسمي، لكي يخضع المعارضون؛ فقد أوصلت الحركة الوطنية، وأوصلت عباس نفسه، الى هذه الحال المزرية، وجعلت إسرائيل تتجاهله، ولا تعطيه شيئاً مقابل التنسيق الأمني. فقد استمرت في التوسع الإستطياني وأطلقت المستوطنين الهمج على شعبنا، ومضت في تهويد القدس وفي تعنتها في رفض التسوية، والاستمرار في القتل وفي هدم البيوت وإصدار القوانين العنصرية!

 لم يشفع لعباس  عند إسرائيل، أنه جعل غزة وحماس مشكلته الأولى، واهماً أن إسرائيل ستؤيده. فها هو يكتشف أن لدى إسرائيل من الأسباب والاعتبارات والمصالح والأسرار ما يضطرها الى تجاوزه  وإهانته. بل إن إسرائيل مستعدة في حال أفصحت حماس عن كل ما جوفها السياسي، أن تقدم لها، كل حصة غزة وموظيفها من المقاصة، لكي يتعزز دورها، وليضرب عباس رأسه في الجدار. فهو الذي خلق التمييز المناطقي ومارس الفصل، وحماس هي التي خلقت التمييز الحزبي في المجتمع على النحو ينسحب على الخبز والوظيفة وكيس الدقيق، ومارست الفصل. وستكون إسرائيل في موقع الإدعاء بأنها خدمت الطرفين وساعدتهما على تحقبق "التمكين" كلٌ في منطقته، وهي تعلم كما يعلمان، أنها تدمر المشروع الوطني وتشطب وحدة الأراضي الفلسطينية!

لينظر كلٌ من عباس وحماس في المرآه، لكي يرى ما فعله بالناس وبالقضية وحتى بسمعة الإنسان الفلسطيني الكريم الباسل في العالم!