من الصعب الكتابة عن أي انتصار سواء للمقاومة الفلسطينية او غيرها، في ظل طغيان فكر الهزيمة والتطبيع، وما باليد حيلة، وطأطأة الرؤوس، والكف ما بناطح مخرز، لكن مع كل ما سبق، تأبى إلا ان تخرج الكلمات والعبارات تلقائيا –بفضل المقاومة- لتعبر عن حالة من العز والكرامة والنصر بالنقاط على احتلال ظن يوما انه لا يهزم، ولترفع رؤوسنا عاليا، في الوقت الذي ظن المهزومين فكريا ومعنويا لا مجال لهزيمته حتى ولو في جولة واحدة.
خروج الجماهير بعفوية في مسيرات حاشدة في غزة وبعضها جرى في الضفة بعد اعلان وقف اطلاق النار، مؤشر على ان الثورة كالسمكة وبحرها الجماهير، فالجماهير لا تخرج بعفوية لو انها هزمت ولبقيت في منازلها تندب حظها العاثر، ولكنها خرجت مبتهجة فرحة بنصر المقاومة بالنقاط على جيش الاحتلال.
ما فعلته مقاومة غزة في أقل من يومين عجزت جيوش عربية جرارة عن فعله، فالجيوش العربية منبطحة وهمها اسكات شعوبها، وليس اسكات الاحتلال على الاقل في هذه المرحلة، والجيوش عجزت ان تجعل هيبة وردع الاحتلال في تآكل مستمر وبالتدريج عبر المقاومة، والتي جعلت الجولة الاخيرة هيبة جيش الاحتلال في الحضيض، وهو ما أقر به كتاب ومفكري دولة الاحتلال، والا كيف نفسر موافقة "ليبرمان" ونفتالي بينت على التهدئة الأخيرة وكيف نفسر غضب ومظاهرات المستوطنين حول قطاع غزة على التهدئة!؟
لو ان مقاومة غزة سكتت على اغتيال قائد بحجم نور بركة وبقية زملاءه، لأغرى ذلك بالمزيد من قبل الاحتلال، ولكن ان ترد فمعناه ان مرحلة تلقي الضربات ولت الى غير رجعه، والرد بالرد، وهو ما فهمة جيش الاحتلال الذي سارع لوقف قصفه على غزة والقبول بوقف النار، مرغما ومكرها، كون المقاومة 2018 ليست هي 2014.
بشكل عام ان تكون مقاومة فلسطينية تعامل الاحتلال الند بالند، فهذا انتصار للمقاومة، لا بل راحت تحذر المقاومة الاحتلال مسبقا قبل كل ضربة، وهو ما يعني ثقة بالقدرات، والقدرة على ايلام الاحتلال.
كما ان توحد المقاومة بالغرفة المشتركة، دليل على رقي فكرها وعملها، فمقاومة الاحتلال هي خيار كافة قوى الشعب الفلسطيني، والبندقية المشرعة بوجه الاحتلال هي من تمثل الشعب حتى ينتهي الاحتلال، والاستفراد بقوة بعينها لا يصح، وتوزيع الحمل يخفف من ثقله.
لاحظنا ان قوة جيش الاحتلال لم يكن بمقدورها اسكات فضائية وهي الاقصى، فكيف ستكون قادرة على اسكات غابة من بنادق المقاومة وصواريخها!؟
يا ليت من غمرهم فكر الهزيمة والانبطاح وسيطر على عقولهم ان يعرفوا ان المقاومة رفعت رؤوسنا، بأدائها المميز الباهر وقاومت نيابة عن شعب فلسطين والعرب النيام، وانها ما خافت من طيران يقصف المدنيين الآمنين ومقار صحفية من المفترض انها محمية بحسب القوانين الدلوية.
أثبتت الجولة الأخيرة ان المقاومة اذا قالت او هددت فانها تفعل بعيدا عن الارتجالية والفهلوة، ومراهقة السياسة او العمل العسكري الغير مدروس بدقة فائقة، فكل صاروخ اطلق كان مدروس بعناية، وكل رصاصة كانت في نطاقها ومجالها الصحيح.
كشف الجولة الاخيرة ان المزايدة على المقاومة وتبخيسها، لا يصح، ولاحظنا كيف ان كثيرين من الذين كانوا يهاجمون المقاومة بأنها باعت سلاحها بالدولار والسولار قد اختفوا، فالحركة بركة عندما تكون مخطط لها جيدا، وهو ما يقود بقوة نحو طي صفحة الانقسام للابد.
كان درسا بليغا للاحتلال عدم ضرب المقاومة لحافلة جنود الجيش الا بعد افراغها من الجنود، فلو كانت المقاومة ضربت الحافلة وقتل كل من فيها وهو امر كان مرجح بقوة، لصعد الاحتلال في قصفه لغزة في وقت المقاومة بحاجة لوقت اكثر خاصة في ظل معطيات اقليمية محيطة صعبة على المقاومة، وكون العلاقة مع المحتل هي معركة بالجولات وتحقيق نقاط عليه، وليس كسر عظم.
مما ساعد المقاومة وكانت قراءتها ممتازة لحالة الاحتلال والظروف المحيطة به، فقد كان المجتمع العبري في حالة يأس ويكره الملاجئ، ومتخبط في اتخاذ القرار المناسب بالنسبة له، في الوقت الذي كان فيه المجتمع الفلسطيني في غزة، جاهز للتضحية لأجل رفع الحصار عنه والانتصار في هذه الجولة المؤقتة.
في كل الاحوال المعركة لم تنتهي، وما حصل مجرد جولة من بين جولات حتما ستتلاحق، والمطلوب الاستمرار في الجاهزية القصوى، والحرب خدعة، والاحتلال ماكر وغدار وليس بالهين، وما دامت المقاومة تسير على خط الحكمة والتبصر والتخطيط السليم، وتطوير القدرات، والوحدة وبحرها الجماهير، فان النصر حليفها في الجولة القادمة بعون الله.