نتنياهو.. والأزمة السياسية- الأمنية في قطاع غزة

التقاط.PNG
حجم الخط

 

يتحمل رئيس الوزراء الاسرائيلي المسئولية الكاملة عن الأزمة السياسية الأمنية التي شهدها قطاع غزة خلال الأيام الماضية، وقد حذرنا في مقال سابق من قراره ضم اليميني المتطرف أفيغادور ليبرمان لحكومته وتعيينه مسئولاً عن الجيش، حيث واجه نتنياهو صعوبات في السيطرة على محاولاته توريط الحكومة في عمليات عسكرية على مختلف الجبهات، وقد جاء التصعيد الأخير بسبب عملية استخباراتية فاشلة، دخلت بموجبها قوة عسكرية خاصة من المستعربين الى شرق خان يونس والتي انتهت بقتل قائد القوة وجرح ضابط آخر، واستشهاد سبعة فلسطينيين من بينهم قائد القسام في شرق خان يونس نور بركة.

إلا أنّ توقيت هذه العمليّة، وطبيعة ومحدوديّة الاشتباكات التي أعقبتها تثير تساؤلات عديدة، خاصة وأنها وقعت بعد يوم من إدخال السّفير القطريّ مبلغ خمسة عشر مليون دولار في حقائب إلى قطاع غزّة وبمعرفة الحكومة الإسرائيليّة وموافقتها، في إطار تفاهمات التهدئة التي تضمنت نقل منحة مالية بقيمة 90 مليون دولار مخصصة لدفع رواتب موظفي حكومة حماس لمدة ستة أشهر بواقع 15 مليوناً شهرياً، وضخ كميات من الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة في القطاع، لمدة ستة أشهر بمنحة مالية بقيمة 60 مليون دولار، وإدخال مواد بناء لإعمار المنازل المدمرة، وتوسيع مساحة الصيد البحري الى 12 ميلاً بحرياً. وبتحليل نتائج العملية، ومواقف الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني من التصعيد العسكري المتبادل بقطاع غزة يتضح مايلي:

-اجتماع المجلس الوزاري المصغر الكابينت لمدة ست ساعات متواصلة لمناقشة كيفية مواجهة الموقف في غزة، في حضور رئيس الموساد رغم عدم ارتباط المناقشات بدور ومهام ذلك الجهاز الأمني، إلا أن نتنياهو حرص على وجوده لإيضاح مدى الخسائر التي يمكن أن يرتبها استمرار التصعيد على مصالح إسرائيل الحيوية.

حرص الطرفين على عدم الدخول في معركة شاملة مفتوحة، ارتباطاً برغبة الفصائل الفلسطينية في تثبيت التهدئة، ومن ثم تحديد مدى الصواريخ التي تم إطلاقها بنحو عشرين كم، مقابل استهداف إسرائيل المواقع والمنشآت الفلسطينية بعد إطلاق الصواريخ التحذيرية والتأكد من إخلاء المواقع المستهدفة من السكان، وهو ما أسهم في تقليص الخسائر على الجانبين، حيث أسفر هذا القصف عن استشهاد ستة فلسطينيين فقط.

فشل القبة الحديدية في التصدي للصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة خلال المعركة، حيث تصدت القبة الحديدية لنحو 120 صاروخاً فقط، من أصل 460 صاروخاً أطلقتها فصائل المقاومة، الامر الذي أدى إلى إصابة مبان سكنية وزراعية وشوارع، وتسببت في مصرع شخص واحد وعشرات الإصابات في عسقلان و سديروت.

إطلاق المقاومة عشرات الصواريخ على مساحة صغيرة نسبيا، وخلال فترة زمنية قصيرة على مستوطنات غلاف غزة وعسقلان بهدف استنفاد مخزون الصواريخ الاعتراضية.

شن المقاومة حرباً نفسية عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي سواء بعد كشف القوة الخاصة في خان يونس وقتل قائدها واصابة آخرين، او من خلال نشر فيديوهات عملية العلم وعملية الكورنيت باستهداف الحافلة بعد ان تأكدت المقاومة من نزول عشرات الجنود من الحافلة، لإيصال رسالة كانت أكثر تأثيراً من ضرب الحافلة.

ورغم استهداف وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من استقالته تنصيب نفسه كرمز سياسي يميني لكسب أصوات اليمين في الانتخابات المقبلة والعودة بقوة للساحة السياسية، وذلك من خلال المزايدة على مواقف نتنياهو تجاه غزة، وإبراز تعاطفه مع عائلات الأسرى والمفقودين، إضافة لتقديم وزيرة الهجرة والاندماج الإسرائيلية عضو حزب «إسرائيل بيتنا» صوفا لاندفير استقالتها، إلا أن ذلك لن يؤثر على مستقبل حكومة بنيامين نيتانياهو، حيث يرجح أن يحتفظ نتنياهو بمنصب وزير الأمن الذي غادره ليبرمان بشكل تلقائي، ليصبح مسئولاً عن ثلاث حقائب وزارية، وهي الخارجية والصحة والأمن، غير منصبه كرئيس للوزراء، وسيبقى محتفظًا أيضًا باغلبية 61 مقعدًا، وهذا يعني أن حكومته قادرة على الاستمرار في مهامها ومواصلة عملها حتى موعد الانتخابات الاسرائيلية في العام المقبل 2019، مالم يقدم وزير التعليم رئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت استقالته منها، خاصة أنه طلب من نيتانياهو تسلم حقيبة الأمن خلفاً لليبرمان، في الوقت الذي لايمثل فيه الذهاب إلى انتخابات مبكرة، حدوث تغيير حقيقي في الخريطة السياسية والحزبية الاسرائيلية، وسيعمل نتنياهو حال لجوئه لتبكير الانتخابات للحصول على شرعية جديدة من الإسرائيليين لتحقيق حلمه بتخليد اسمه ضمن أهم رؤساء الوزراء الذين حكموا إسرائيل منذ بن غوريون سواء بالاستمرار في الحكم لفترة اطول من بن غوريون الذي حكم مدة 13 عاماً، أو بنجاحه في تحقيق الهدف القومي لإسرائيل بإقامة دولة يهودية وعاصمتها القدس الموحدة، مع تقويض قدرة الفلسطينيين على معارضة تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

من جهة أخرى، تواصل مصر جهود الوساطة لإنهاء الأزمة الأمنية الراهنة في قطاع غزة ومحاولة تثبيت التهدئة بين إسرائيل وحماس لتفادي تأثيراتها على الاستقرار الإقليمي، والحيلولة دون استمرار الأزمة الداخلية الفلسطينية التي تكرس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفر ذرائع غياب الشريك الفلسطيني للتسوية في إطار حل الدولتين، خاصة في ظل التأثير السلبي لتدخل بعض الأطراف الإقليمية لاستخدام القضية الفلسطينية كإحدى أوراق إدارة أزمتها مع القوى الدولية وتحقيق طموحاتها في المنطقة، وهو ما دفع مصر لتكثيف جهودها للإسراع بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية من خلال إجراء مفاوضات غير مباشرة بين اسرائيل وحركة حماس لتثبيت التهدئة ووقف العنف وفقاً لاتفاق وقف النار عام 2014، والتواصل مع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية لاستئناف مفاوضات تحقيق المصالحة الفلسطينية، وهنا يجب أن تدرك حركة حماس أن إدارة الصراع السياسي قبل العسكري مع إسرائيل مرهون بوحدة الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، ومن ثم ضرورة إنجاز المصالحة، عبر التنفيذ الأمين والدقيق لاتفاق القاهرة 12/10/2017، وبما يضمن تحقيق الوحدة الوطنية والسياسية والجغرافية، والرجوع إلى إرادة الشعب الفلسطيني وصناديق الاقتراع لتحديد آليات تحقيق الأهداف القومية الفلسطينية.