عندما التقى شارون الرئيس بوش في نيسان من العام 2004 ، أبرز له مجموعة من الأوراق أعدها مئير داغان ويوسي كوهين ، الذي كان مسؤولا حينها عن دائرة التكنولوجيا التابعة للموساد و( الآن يوسي كوهين مدير الموساد بكل دوائره ) ، كانت تلك الأوراق " الوثائق " قد فبركها الموساد حتى يثبت شارون للرئيس بوش أن ياسر عرفات هو رأس الارهاب ، وأن تعليماته وأوامره هي وراء كل العمليات التي كان المقاومون الفلسطينيون يقومون بها ضد قوات الاحتلال – أي العمليات الارهابية كما يسميها الاسرائيليون .
كانت الزيارة تتويجا لحملة شارون ، ومحاولاته المتتابعة والحثيثة لالصاق تهمة "الارهاب" بياسر عرفات لدى قادة الغرب وقادة العالم ، فقد كانت اتصالاته الهاتفية اليومية لاتتوقف عن الصاق التهم بالرئيس ياسر عرفات لدى الجميع ، وأتاح ماعرضه شارون من وثائق مزورة على الرئيس بوش الفرصة للأخير كي يطلق العنان للكراهية التي يخص بها الفلسطينيين عامة وياسر عرفات خاصة ، لذلك بقي صامتا عندما طلب منه شارون الموافقة على التخلص من ياسر عرفات ، أي أنه لم يعد يشترط على شارون عدم المساس بالرئيس ياسر عرفات " كان الاتفاق الذي وقع في واشنطن ينص على حصانة القيادة الفلسطينية ، وعدم المس بها " ، وحسب أقوال مستشار شارون : (كان صمت الرئيس بوش " موافقة صامتة " )،على ماطرحه شارون أو عدم ممانعته على أقل تقدير ، ومايؤكد قول المستشار هو ماجرى في اليوم التالي اذ تنصل بوش علنا من الاعتراف بالرئيس ياسر عرفات ، ودعا الفلسطينيين لاختيار بديل عنه ليتابع " مسيرة السلام " ، ( تماما كما يفعل الآن الرئيس ترامب بابو مازن ، اذ أن ترامب ونتنياهو وحلفائهما من الأنظمة العربية المطبعة مع اسرائيل يبحثون عن بديل للرئيس محمود عباس ) ، ورتب شارون عملية اغتيال الرئيس ياسر عرفات مع موفاز ومئير داغان بدس السم له – ظنا أن هذه الطريقة سوف تبعد الاتهام عن اسرائيل ، أو أنها ستبقي موضوع الاغتيال غير محسوم لفترة طويلة من الوقت .
ونستخلص من هذا أن الرئيس المقبول لدى الولايات المتحدة ولدى اسرائيل هو الرئيس الذي يخضع لهما ، ولايقاوم ابتلاع الأرض الفلسطينية ، وشطب حقوق الشعب الفلسطيني ، فرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولي أجهزة الأمن الاسرائيلية يشنون حملة ضد الرئيس محمود عباس تحت عنوان " الارهاب الدبلوماسي " ، ومع اقتراب نهاية العام 2018 يسعى ترامب حثيثا بالتحالف مع بعض الدول العربية المطبعة مع العدو الصهيوني لطرح مشروع " صفقة القرن " .
صفقة القرن التي تستهدف تهويد القدس ، وتكريسها عاصمة يهودية للدولة اليهودية ، والاعتراف باسرائيل من النهر للبحر ، وتحويل الضفة الغربيةالى يهودا والسامرة ، وتحويل حياة الفلسطينيين الى جحيم ، وارتكاب الجرائم الجماعيةضدهم لتهجير أكبر عدد ممكن منهم ، ولاشك أن صفقة القرن التي رسمت خطوطها الحركة الصهيونية ، وانصاع لها ترامب " الموظف الصهيوني في البيت الأبيض " ، تتضمن بدائل للفلسطينيين استنادا لبنود التهجير التي تتضمنها .
" صفقة القرن " ، التي فوجئ بها الرئيس محمود عباس حظيت برفض كامل من كافة القوى الفلسطينية ، ورفضها الرئيس محمود عباس وأطلق عليها تعبير " صفعة القرن " ، ووعد علنا بالتصدي لها ومنع تمريرها ومقاومتها ومقاومة تهويد القدس والضفة الغربية ، وبذلك يكون الرئيس محمود عباس منسجما مع الثوابت الفلسطينية ، وعلى قدم المساواة مع المواقف السياسية المناهضة لصفقة القرن التي اتخذتها كافة الفصائل الاخرى ، هنالك اجماع فلسطييني على رفض هذه الصفقة ، وهذه أرض رحبة وصلبة لرص البنيان المقاوم للمخطط الصهيوني الاميركي فلسطينيا ، ونحن نرى أن هذه الأرض السياسية المشتركة بين كافة الفصائل تمنح الرئيس محمود عباس فرصة نادرة لجمع الصف الفلسطيني ، وتوجيه ضربة قاصمة لمحاولات اسرائيل فصل الضفة عن غزة ، والتصرف وكأن هنالك سلطة في غزة وسلطة اخرى في الضفة الغربية ، والاستفادة من هذه الفرصة ستصب في مصلحة الشعب الفلسطيني الصلب ، وهي رص البنيان الفلسطيني لتوجيه مقاومته بشكل مركز ضد الخطر الداهم ، والأمر يتطلب تحرك الرئيس محمود عباس بسرعة قصوى نحو هذا الهدف ، واخضاع كافة التناقضات والتعارضات مع حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرهم من الفصائل للتناقض الأكبر ، وهو مقاومة مخطط التصفية – صفعة العصر .
وحتى نكون صريحين وواضحين نقول : ان وقوف الجميع على أرض سياسية واحدة يبقي قضية واحدة أساسية موضع خلاف ، وهي اصرار الرئيس محمود عباس على أن يكون السلاح خاضعا لسلطة مركزية ، وأن يكون قرار الحرب والسلم مرتبطا بالرئاسة الفلسطينية بالنسبة لهذه النقطة الحساسة نشير الى حكمة الرئيس ياسر عرفات التي مكنته بالتشاور والشراكة مع الفصائل الاخرى ضبط قرار الحرب والسلم دون أن تكون بنادق التنظيمات منضوية تحت على جيش التحرير الفلسطيني ، أو تحت على " قوات الثورة " ، فقد احتفظت التنظيمات بسلاحها وكوادرها لكن قرار الحرب والسلم كان قرارا جماعيا عبر هيئات مسؤولة مثل المجلس العسكري الأعلى ، وأثبتت الأيام أن الوحدة الوطنية تعني وحدة البنادق المنتشرة بين أيدي مقاتلي التنظيمات .
لقد مكن الحوار الجماعي والهيئات القيادية الجماعية أن تمنع استخدام السلاح في غير الزمان والمكان الذي تقرره القيادة الجماعية للقوات المقاتلة ، هذه حكمة ابو عمار ، ويستطيع الرئيس محمود عباس أن يلجأ للأسلوب الجماعي في القيادة ، وليس القرار الفردي حتى تتم الأمور كما كانت بوفاق واتفاق .
مايجري الآن مخالف لذلك ، فالتنظيمات لم تعد كما كانت سابقا فهنالك في اللجنة التنفيذية ل (م ت ف ) ، ممثلين لتنظيمات لم يعد لها وجود على الأرض ويقبل الرئيس ابو مازن بهم ممثلين " ولا أدري من عينهم أو كلفهم " ، تبدو الأمور لمن يعلمون مأساوية ومضحكة ، وهذا يحتم اجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن لمجلس وطني جديد لينتخب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية .
من أخطر الأمور أن نبقي على رأس العمل لجنة تنفيذية لاتحظى بتأييد الشعب والمجلس الوطني لن هذا يعطي فتح وقيادتها فرصة تحطيم غير مبرمج للدولة فهم يتصرفون حسب قناعتهم بأن اللجنة التنفيذية هي من انتاج فتح ، ونحن على استعداد أن نناقش كل اسم من أسماء أعضاء اللجنة التنفيذية ، في الوقت ذاته نج أن تنظيما عريقا ومؤثرا في الساحة الفلسطينية هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يحرم من مخصصاته " مخصصات مقاتليه " ، لأسباب سياسية – (الموازنة مقطوعة عنه منذ تسعة أشهر ) ، ليسأل كل ممثل تنظيم في اللجنة التنفيذية نفسه أو يجيب على سؤال : كم مقاتل موجود فعلا ، وكم عدد الذين يتقاضون رواتب من م ت ف ؟؟؟ ، ليس الهدف اثارة هذا الموضوع الخطير لكن الأمر ينطبق ايضا على أسماء اخرى لم يجر انتخابها " شرعيا " ، بل " زقوا زقا " ، و" الزق " تم ويتم على أكثر من صعيد ودون وجه حق ، وبطاقة الانضمام للزق كانت الموافقة الفورية على كل مايطرحه السيد الرئيس الآن أعتقد أن الرئيس محمود عباس عرف تماما مدى الخداع الذي " جرجروه " اليه مسؤولو الادارة الاميركية وحلفاؤها ، وأنا على يقين أنه يشعر بأن ياسر عرفات كان على حق عندما قرر أن يقاوم الخداع لذلك نرى أن الرئيس محمود عباس مطالب بالتخلي عن عناده الذي لايتفق مع صفات " قائد الفلسطينيين " ، فالفلسطينيون ليسوا قطيعا من النعاج ، وعلى الرئيس محمود عباس أن يلغي كل قراراته الجائرة بحق القطاع وبعض التنظيمات وقادة فلسطينيين ظلمهم وحرمهم من حقوقهم منذ أول لحظة من لحظات حكمه ، والأهم هو تشكيل لجنة تحضيرية لانتخابات نزيهة وباشراف دولي " لأن هذا يحمل رسالة للعالم حول حقوقنا وحضارتنا وديموقراطيتنا " ، اذ انتهى عصر التعيين عبر لجان ، لندع الشعب الفلسطيني ينتخب بحرية وشفافية قيادته .
هذا الأمر الهام سوف يوجه ضربة قاتلة لمحاولات السي آي ايه والشين بيت ومخابرات دول عربية مطبعة خلف قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية .
والنصيحة الاخيرة للرئيس محمود عباس أن يكسر هذه الحواجز التي نصبها حوله مجموعة من أتباع اوسلو ، فهم لايرون مايجب أن يراه الرئيس محمود عباس ، وهنالك عقول فلسطينية مشهود لها بوعيها وخبرتها قادرة على تنوير الرئيس ابو مازن، وطرح الاحتمالات عليه والبدائل ورسم خطة مواجهة فاعلة ، ندعوه لفتح بابه لهؤلاء ، وان ينهال على اللصوص الذين ينهبون مال الشعب الفلسطيني ومازالوا على مقاعد المسؤولية ، انها فرصة – قد لاتتكرر .
ونختم الرسالة بتوجيه الكلام للرئيس محمود عباس : " لاسلاح بيدنا أقوى من سلاح وحدتنا لمواجهة صفقة العصر ، لقد سقط الرهان على دور الولايات المتحدة ، ورفضت أنت العودة لصيغة رعاية الدولة الواحدة ، لكن رفضنا لايعني أن تسير الأمور كما نريد ، فنحن نعرف أين هي حدود مصالح الدول الاخرى ، لكن الوحدة الوطنية ورص الصف الفلسطيني سوف تزودنا بسلاح لامثيل له لنبني عليه : ثقتنا بأنفسنا ، وثقتنا ببعضنا البعض ، وبقدرتنا على قطع دابر الفساد ، وعلى بناء دولتنا ، وعلى خلق ميزان قوى يمكن الرئاسة من الطلب من اوروبا وروسيا العودة لتطبيق 242 " .