رئيس تشاد المسلم يسافر الى نتنياهو

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

ليس هنا مجال الحديث المُسهب عن موضع تشاد الإستراتيجي في إفريقيا، كخامس بلد في القارة من حيث المساحة، بعد الجزائر والكونغو والسودان وليبيا، ويمثل المسلمون فيه نحو 60% من السكان، ومن بين هؤلاء قبائل ذات أصول عربية!

سيؤخذ نقدنا لاستهتار حكم الرئيس عباس بالعلاقات مع القارة الإفريقية، كأن الغرض منه النيل من ذلك الرجل المتأنق في شيخوخته، الشغوف بالسفر الى الدول ذات الضيافة الفاخرة، وذات قطاعات الأعمال التي فيها مداخل لمن يعنيه أمرهم.

قبيل كل تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار يتعلق بفلسطين؛ يتذكر المعنيون بالدبلوماسية الفلسطينية بُلدان أفريقيا، وفي عجالة يبعثون برسائل للتذكير بعلاقات تاريخية وبكوفية الختيار، وكأن المواقف تتأسس على ذكريات أو عواطف، وليست محصلة حقائق تراكمت عبر التواصل المستمر. فقد كان الشهيد الزعيم ياسر عرفات، يقوم بجولة إفريقية في كل سنة، ويناقش رؤساء الدول الإفريقية في مشكلاتها، ويتوسط بينها، ولا تخلو أية زيارة من حيثية عملية ولو بسيطة، كأن يلبي مثلما فعل ذات مرة، طلب رئيس إفريقي ابتعاث طبيب فلسطيني ذي اختصاص ليعمل في بلاده.

في العام 2017 زار عباس دولة في بطن روسيا، لكي يوصي رئيسها على إبنه، وخرج البيان الختامي يقول إن الطرفين تباحثا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهناك الكثير من الأمثلة التي اشتملت على وساطات وأدوار صادمة في بلدان آسيا الوسطى، لتسوية مشكلات بين فاسد وسلطات بلاده. فالحركة، في كثير من وجهاتها، كانت ولا تزال تتسم بالخفة والمقاصد الرميمة، الى مواضع تصلح لاستغلال النفوذ، وممارسة "الشرعية" بكل منطق يناقض معناها. أما السفر المكلف والمتكرر الى أمريكا اللاتينية، فإنه يخصم من خبز الفلسطينيين الكثير!  

اليوم يتحدث نتنياهو عن إنجاز جديد، تمثله زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي الى إسرائيل. والزائر يتحدر من قبيلة سودانية، وكان عندما تعرض للإقصاء من قبل العميل الأمريكي والرئيس السابق حسين حبري، قد لجأ الى ليبيا التي قاتلها كقائد للجيش تحت إمرة حبري، وشكل بمساعدة المرحوم معمر القذافي، جبهة إنقاذ وطني، تمكنت من احتلال العاصمة إنجامينا وتسلم الحكم في البلاد. الآن يتجه إدريس الى تل أبيب ليعزز زخمها الديبلوماسي في مرحلة من أسوأ وأقبح ممارساتها وعنصريتها وعدوانها. لكن المحتلين لا ينامون، ولهم في كل عرس قرص. أما عباس وجماعته، فإنهم يلعبون الاستغماية مع بعضهم، ويستمرئون السفر المترف و"المهمات" وإن اهتموا بشيء يقلقهم، فإن هذا الشي إما أن يكون دحلان وما يسمونه "جماعة دحلان" لاصطياد أسماء من غزة لتجويع أسرها وإقصائها، أو يمارسون لعبة شد الحبل مع حماس، واهمين أنها ستخضع لهم، بينما هي التي تشد في اتجاهها حتى اقترب الوجه من ملامسة الوجه، ليكتمل بؤس غزة رهينة المَحْبسيْن!

تشاد الفقيرة، في عهد إدريس، انتقلت الى مصاف الانتاج البترولي وبدأت تكافح الفقر، وفي رفع معدلات النمو، وتحولت من الحكم الفردي الى نظام حكم برلماني يحاكي الديموقراطية، وبات لديها إعلام عصري وفضائيات. وتستفيد حكومة إدريس من الناتج المحلي العام للبلاد،  لدفع عملية التطوير، علماً بأن هذه الناتج لا يصل الى ثلث المال الذي يوضع في يد عباس سنوياً بموجب الأرقام المعلنة للموازنة الفلسطينية العامة.

يمكن أن تُقرأ زيارة إدريس ديبي الى تل أبيب، من زاوية انتهازيته المنسجمة مع انتهازية نتنياهو. لكن إدريس الذي ينام على وسادة القلق من الرفض الشعبي لبنود من الدستور، يعلم أن مسلمي بلاده ومسيحييهم الفقراء الكاثوليك، لا يؤيدون إسرائيل، وأن خطوة إدريس من شأنها إضعافه، وكذلك إقلاق شعوب دول الجوار، وبخاصة ليبيا والسودان.

يسافر إدريس الى إسرائيل، لكي يضيف الى نجاحات نتنياهو ويخصم من رصيد العرب والفلسطينيين على مستوى العلاقات الدولية وإرث العلاقة مع إفريقيا.