التصويت وصدى الصوت

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

بعد فشل محاولة الأمريكيين تمرير مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يُلقي باللائمة على فصائل المقاومة الفلسطينية ويحمّلها مسؤولية التوتر في المنطقة، ويصرف النظر عن الإحتلال العسكري وإرهابه وجرائمه ويدين الضحايا؛ حلت الغبطة وعم السرور شرائح المنافقين الذين يفتشون لرئيس السلطة عن مأثرة أو مكرمة، فجاءت ردود أفعال هؤلاء كما لو أنها صدى أصواتهم التي تهتف لنفسها وتريد أن يصبح رفض الجمعية العامة للمشروع الأمريكي، بفضل محمود عباس!

والمفارقة أن الكثير من هؤلاء يعلمون  أن بؤس نتائج التصويت، الذي أبهج نتنياهو، هو وحده الذي يتحمل عباس جزءاً من المسؤولية عنها، لكن شرائح الانتهازيين، غالطت نفسها، وكأن هناك ديبلوماسية فلسطينية مبهرة، يقودها عباس، صدت الهجوم الديبلوماسي الأمريكي في الجمعية العامة وحققت نصراً!

فما حدث، هو العكس تماماً،  لأن الغالبية الساحقة التي كانت تساند القضية الفلسطينية وتضع النقاط على الحروف وتقرع نواقيس الخطر والإدانة للاحتلال، قد تآكلت. في حال أن ظل الوضع الفلسطيني، لمدة أطول، على هذه الحال، فسنفقد المزيد من أصدقائنا في العالم وستربحهم إسرائيل الغاشمة، التي يدافع عباس نفسه عن أمنها، أمام العالمين!   

  لطالما تحدثنا عن وجود بقايا سفراء فلسطينيين فعالين، وأشرنا غير مرة الى أن د. رياض منصور من بينهم.  لكن ما حدث في مناسبة التصويت الأخيرة، في ، لا علاقة له بمعايير قياس جودة الديبلوماسية الفلسطينية، إذ لم نكن نحن الذين نهاجم الإحتلال والأمريكيين، بمشروع قرار، يرد على ضم القدس والاعتراف الأمريكي بها عاصمة لإسرائيل. فقد كانوا هم الذين يهاجمون، وكان الرجاء أن ينصفنا المؤيدون لقضيتنا بالدفاع وإسقاط مشروع التغطية على الإحتلال وإدانة المقاومة.

المشروع الأمريكي، كان يهدف الى تأثيم النضال الفلسطيني، بدءاً بحماس والجهاد، وانتهاء حُكما بالشعب الفلسطيني كله. وكان ذلك هجوماً ديبلوماسياً أمريكيا مفاجئاً، لم نكن على علم به، وبالتالي لا منطق في الإدعاء بأنه حملة كفاحية قادها عباس إنطلاقاً من عرينه، وانتصر فيها  بعد أن تدبر من خلال علاقات السلطة، طرح مشروع يفقأ عين ترامب وهيلي!

عباس أصلاً ليس ممن يشعرون بالحاجة الى فرق العمل والمختصين ولا حتى الى المثقفين، لا في السياسة ولا في الإدارة ولا في الديبلوماسية. وفي معظم زياراته يتعمد إقصاء وزير الخارجية نفسه، بل يحرص على توزيع مهام الخارجية على كثيرين، كأنها هدايا توزع في المناسباب وجوائز وفرص للسفر. أما حكاية الديبلوماسية وأصولها وخططها، فلا تخطر له على بال، وأينما وضع  إصبعه في شبكة السلك الديبلوماسي أوقع خراباً واختلالا وأضاف عُطباً.

للأسف جاءت نتائج التصوت الأول في الجمعية العامة، أشبه بخازوق يقرع الجرس ويؤشر الى بؤس حالنا، لأن إسرائيل نفسها لم تكن تحلم بتأييد هذا العدد من الدول لمشروع يتغاضى عن جرائمها ويدين الطرف الفلسطيني. أما في التصويت الثاني فقد انتخى لنا الآخرون، وطرحوا مشروعاً متوازناً لقي احترام عدد أكبر من الدول، وصحح الموقف!

أصلاً عباس قالها صريحة أمام الجمعية العامة، إن كل عمل عنفي، في أي مكان، يُعد إرهاباً في نظره، وقد عبر عن اعتزازه بأنه يحارب "الإرهاب" في بلادنا، فهل أصبح بين ليلة وضحاها، يقود ديبلوماسية الدفاع عن المقاومة وعن حماس التي اشتكاها للجمعية العامة؟

فعلا هناك سوق مفتوحة لبيع الكلام الفارغ للمستهلكين من البسطاء. البضاغة مغشوشة ويبيعونها للحزانى!