الترهل والإقصاء نقيضا الريادة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

بعض الشباب، لا يربطون في معاينتهم لحقائق الواقع، بين العناوين الحزبية وما حدث من تغييرات جوهرية في فحواها، وهذا ما لت عليه، بعض ردود الأفعال خلال الساعات الماضية، تعقيباً على تصريح أمين عام "حركة الجهاد" بخصوص فقدان حركة فتح ريادتها وقيادة المشروع الوطني، علماً بأن ظروف الإنقسام وتداعياته الراهنة، لا تساعد على انتقال الريادة لأي طرف، لكي يقود  مشروعاً وطنياً!

نحن في تيار فتح الإصلاحي الديموقراطي، لسنا معنيين بتسميم المناخ الوطني وملاحقة التأويلات والخوض في سجالات، ولسنا في الوقت نفسه، ممن يقبلون المنطق الذي يعتبر عباس ومساعديه، يقودون مشروعاً وطنياً وتنعقد لهم الريادة، بشفاعة الإرث الكفاحي لحركتنا. إن مثل هذا الافتراض،  ينم عن عجز عن احتمال حقائق الواقع. فمن يزعمون اليوم أنهم يقودون فتح، ليسوا إلا عوامل إضعاف وقسمة للحركة وإقصاء لكادرها، واستلاب لحقوق مناضليها وأسرهم ومناطقهم. وهؤلاء لا يلائمون الريادة ولا الريادة تلائمهم. أما حركة فتح، كتاريخ وعنوان ظل لعشرات السنين يقود  المشروع الوطني؛ فليست هي التي قال عنها أمين عام حركة الجهاد ما قال.

ليت الشباب يقرأون، لكي يعرفوا أن الجوهر ــ وليس الهيكل ــ هو الأساس. ولنأخذ القليل جداً من الأمثلة على أن النهج وليس إسم الحزب أو التنظيم، هو معقد الرجاء. ففي مصر كان حزب "الوفد" بزعامة مصطفى النحاس، هو وريث سعد زغلول وقائد الحركة الوطنية وحزب الشعب كله. وفي هرم القيادة، حل المسيحي مكرم عبيد، صديق النحاس الحميم، في موقع الرجل الثاني. ولما اعترى الفساد الحزب وحكومته، اعترض مكرم عبيد، وبدأ الشقاق ما جعل الأخير يطبع في مطبعة سرية، ما سماه "الكتاب الأسود" الذي نشر فيه كل انحرافات النحاس. ولما طرد حزب الوفد مكرم، في العام 1942، أسس الرجل في العام التالي، حزب "الكتلة الوفدية" الذي تفوق على الحزب الذي طرده، وانضم له وطنيو الوفد، من المسلمين والمسيحيين.

كذلك في الحزب الوطني المصري، الذي أسسه مصطفى كامل في العام 1907، عندما انحرف لم يقدس الوطنيون اسمه، وإنما أسسوا في العام 1944 الحزب الوطني الجديد بقيادة فتحي رضوان، أحد فرسان العمل الوطني في فترة ما بين الحربين العالميتين.

في التجربة الصهيونية، كانت الحكومة الصهيونية المؤقتة بقيادة حزب العمل وزعامة ديفيد بن غوريون،  هي التي أسست دولة إسرائيل. ولما رأى بن غوريون أن حزبه الذي يحكم، قد تكررت أخطاؤه، منذ ارتكاب عملية التفجيرات الاستخبارية الرعناء التي استهدفت المراكز الأمريكية في مصر، وسميت فضيحة لافون في العام 1954 تبرأ من الحزب، وأسس حزب "رافي" ولم يلتفت الى الوراء رغم أنه مؤسس حزب العمل ومؤسس الدولة.

كذلك فعلها شارون، عندما خرج من الليكود في العام 2005 وأسس حزب "كاديما". وبإلقاء نظرة على الذين انضموا لشارون في حزب "كاديما" نجد أنهم متنوعون تخلوا عن أحزابهم. فأولئك اللئام كان يهمهم بالدرجة الأولى، المنهجية المطلوبة في وقتها، ولا تهمهم الأسماء ولا يعشقون أسماء ولا ينامون ويقومون على ذكريات أسماء. فقد انضم لــ "كاديما" شمعون بيرس نفسه، ذئب حزب العمل المخضرم وربيب بن غوريون، ومعه من "العمل" حاييم رامون وداليا إتسيك. ومن الليكود، انضمت تسيبي ليفني بل ترأست ليفني "كاديما" في العام 2008 ثم تخلت عن الحزب الذي ترأسته،  وأسست حزباً جديدا باسم "هتنوعا" في العام 2012.

القصد أن العين يجب أن تكون مسلطة على سلوك الأحزاب ومواقفها وأدائها ومعاينة قدرتها على التجدد والنقد الداخلي والتصحيح والإصلاح. وفي حال أن تترهل أية حركة ذات تاريخ مشرف، ويعتلي منصتها عديمو مناقب ومواهب، يستهترون بحقوق المناضلين وبتقاليد الحركة، فعندئذ لا يلوم الموالون إلا من أوصلوا الحركة الى الحال الرديئة!

أما ذكرى الرموز الذين أحسنوا العمل ورحلوا، فهذه ستظل أرسخ من الجبال، ومن الوفاء أن لا يكون الصغار الراهنون، معطوفين على الرموز والقامات السامقة!

على الرغم من ذلك، سيظل الفتحاويون ممن يعشقوناسم حركتهم وعناوينها الصحيحة ومنهجيتها الوطنية، ولن يتزحزحوا عن فتح، أما جلابو الضعف والهوان، فستطويهم الأيام، وستظل حركة فتح صاحبة الديمومة، ليس بتسحيج بؤسائها وإنما بجاهزية ونضالات شجعانها، الذين بهم تستمر وتتجدد حتى تستعيد ريادتها!