لماذا الانتخابات هي الحل الممكن؟؟

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

كما نعرف جميعاً، فإن الانتخابات في الحالة الفلسطينية لم تُخرج الساحة الوطنية من مأزق المنافسة على السلطة منذ عام 2006 وحتى يومنا هذا.
هناك من يذهب الى أبعد من ذلك، الى الحد الذي يرى أن الانتخابات قد أدت الى حالة الاستقطاب والتنافس والصراع على السلطة والى المنافسة الشديدة والتزاحم على الحكم والتحكم، وصولاً الى الانقلاب والى كامل مسلسل الانقسام وتعمقه المستمر.
ومن هذا المنطلق بالذات فإن البعض لا يزال لا يرى في الانتخابات حلاً ممكناً لأزمة ومشاكل وصعوبات النظام السياسي الفلسطيني، بل انه في الواقع يرى فيها سبباً لتعمق أزمة هذا النظام.
حجةُ هذا الفريق هي أن الانتخابات في حالة أن أفرزت نفس التوازن القائم في الواقع الفلسطيني فإن العودة إلى نفس درجة التنافس واردة، وبالتالي فلن يكون هناك أي حل من أي نوع كان.
هذا الفريق بالذات ووفق الاعتبارات السائدة لديه، ما زال يرى ان الحل الوحيد الممكن هو التوافق والمصالحة طريقاً لإنهاء الانقسام.
الحقيقة كما أرى أن العلة لا تكمن في إجراء الانتخابات وإنما تكمن تحديداً، وبالذات، في عدم التوافق على الانتخابات.
من حيث المبدأ أولاً، وعلى عدم التوافق على مبادئ إجرائها ثانياً، وعلى عدم التوافق المؤسسي والدستوري على التعامل مع نتائجها ثالثاً.
أي ان الانتخابات يمكن ان تكون هي الحل الممكن، بل والحل الوحيد ايضاً اذا ما تم التوافق على البنود السالفة.
كيف؟
عندما تستعصي الأزمات الداخلية في بلد من بلدان النهج الديمقراطي، فإنها تلجأ في العادة الى الانتخابات، ويجري تبكير موعدها اذا كان هذا الموعد بعيداً، ومن شأن انتظاره ان يؤدي الى المزيد من التوتر الاجتماعي، او يهدد السلم الأهلي، او يعمق في محتوى الأزمة الوطنية.
ونحن بكل المقاييس وصلنا الى هذه الحالة منذ سنوات، ووصلت الأمور الى أبعد نقطة في هذه الأزمة، من خلال خطر الانفصال الواقعي لقطاع غزة عن الجسد الوطني. 
ومهما كان القول حول خصوصية الواقع الفلسطيني صحيحاً وخصوصاً عن ظروف التحرر الوطني، وعن الأخطار المحدقة بالوطن والشعب والقضية، فإن اللجوء الى الانتخابات لا ينتقص من هذه الخصوصية، ولا يتناقض معها ولا يمثل تجاوزاً لها.
السبب الواضح على هذا الصعيد، هو ان الحديث عن هذه الخصوصية هو حديث منقوص ومردود عليه في خصوصية اكثر اهمية واكثر ملموسية، وهي التي تتمثل في الحاجة الماسة الى وقف التدهور الجاري في الحالة الوطنية، وفي كون ان التحرر الوطني الفلسطيني مطعّم بعناصر مختلفة من مرحلة الاستقلال الوطني، وان هناك خطوات جبارة قد قطعت على طريق ترسيخ تحول حالة التحرر الى الاستقلال بالرغم من كل ما تواجهُه الحالة الوطنية من أزمات ومن صعوبات ومن تحديات.
هناك الكثير من عناصر الدولانية في الحالة الفلسطينية لا يمكن القفز عنها ولا يمكن تجاهلها.
فعندما نتحدث عن اعتراف دولي، وعندما نتحدث عن التحول من حالة السلطة تحت الاحتلال الى حالة الدولة تحت الاحتلال، فان الرؤية العقلانية تقتضي رؤية الانتخابات في موقع تدعيم النظام المؤسسي وترسيخ النظام السياسي الضروري لهذه التحولات.
لكن أين تكمن أهمية رؤية حالة التحرر الوطني في الانتخابات؟؟ هذه الأهمية تكمن في التوافق على مأسسة الشراكة الوطنية، سواء في اجراء الانتخابات أو التعامل مع نتائجها.
فلو افترضنا مثلاً ان كل فصائل العمل الوطني ومنظمات المجتمع المدني، قد توافقت على إجراء الانتخابات، ثم توافقت على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، ثم توافقت على ألا يتم مطلقاً تشكيل السلطة التنفيذية للنظام السياسي وفق اعتبارات الأغلبية والأقلية، وإنما وفق المشاركة الدستورية (لمن يشاء في القوى والأحزاب والمنظمات) حسب النسبة التي تحصل عليها من نتائج الانتخابات، نكون في هذه الحالة أمام سلطة بمشاركة وطنية كاملة او شبه كاملة، ونكون أمام معارضة أصبحت دستورية موضوعياً، دون ان يكون ذلك، او يشكل ذلك قيداً عليها في قضايا الخلاف.
احد اهم وأعقد المشاكل التي تعاني منها الساحة الوطنية هي عدم القدرة على فهم قاعدة الاختلاف والخلاف.
ليست مشكلتنا في الاختلاف وانما في الخلاف الذي نعتقد ان سببه هو الاختلاف، مع ان هذا ليس فقط غير صحيح وانما متناقض ايضا.
فالاختلاف سبب لتنظيم الخلاف، وليس سبباً لوجوده، والاختلاف طبيعي في اي مجتمع، والنظام الديمقراطي الحقيقي هو الذي يجعل من هذا الاختلاف أداة لتنظيم الخلاف.
الواقع يقول اليوم إنه لا يوجد توافق على إجراء الانتخابات، كما لا يوجد توافق على مأسسة شاملة للتعامل مع نتائجها، ولا الى اي خارطة طريق للمرحلة التي تليها.
والرأي النهائي هنا كما أراه:
حوار وطني شامل لكل هذا، وسنرى أن مؤسسة الانقسام ستنهار تلقائياً اذا ما تم التوافق على هذه الانتخابات، هنا يكمن الحل وهنا يتم ضبط الخلافات.
وبالمناسبة من يقف ضد الانتخابات، وضد التوافق على نتائجها ومأسسة هذا التوافق، فإنه يقف في الواقع مع الانقسام ويسعى الى تكريسه وتعميق الأزمة الوطنية.