جميع من حولي يجمع على أننا نعيش ظروفاً غير عادية على كافة الأصعدة، وأنا أيضاً أشاركهم رأيي أن البلد تضيق على بعضها البعض، لدرجة أصبحنا مُنعزلين مع ذاتنا، أصبحنا نهرب من واقعنا المرير الذي يفرز أمراضاً مجتمعية خطيرة، يقلل الكثير من أهميتها، وكأن شيئاً لم يكن!!
ولا أخفي عليكم أنني في بعض الأحيان أواسي ذاتي وأردد ما قاله الشاعر:
"لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلادٌ بِأهْلِهَا ولَكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ"
الصراع على السلطة هو الأكثر وضوحاً من عملية التحرير بأي شكل، لذلك أعتقد أن الصراع على السلطة لا يمكن فهمه في إطار كونه جزءاً من عملية التحرير، وهذا الصراع جعل الشعب يعيش حالة من العزلة التي فرضها على ذاته؛ لأنه يرى بشكل يومي أن الأمور أصبحت في الهاوية من نواح عديدة، وهنا أدعي_ قد أكون مخطئاً_ أن الصراع على السلطة بمختلف الجوانب أسس الحفرة التي ستدفن بها قضيتنا الفلسطينية بأيدينا وليس بيد المحتل.
الجميع ينتظر اللحظة المفصلية التي سينهار فيها كل شيء في لحظة واحدة، بسبب عدم معالجتنا قضايانا المختلفة، ما أدى إلى تراكمها على صعيد النظام السياسي المتكلس على ذاته، أو على صعيد مواجهة الاحتلال وكشف أنيابه، على صعيد المؤسسات الدولية، أو على صعيد العدالة الاجتماعية المندثرة، ما أدى إلى بروز البرجوازية السياسية وتشكيل طبقي وولادة طبقة تعتبر ذاتها مضطهدة في المجتمع في زمن تلك البرجوازية، ما جعل المشروع التحرري الآن في حالة ضياع وتيه وفقدان البوصلة، وجعل التوجه توجهات والتحرر بأدواته مختلف ومتصارع عليه لمصلحة من يريد أن يحكم ويحافظ على حكمه، بما يعزز ثبوته ومقدرته على التحكم بأكبر عدد من المواطنين التائهين في ظل غياب طريق للتحرر؛ لأن الأمور هي صراع على السلطة أولاً وأخيراً، ومن يملك الكمية الأكبر من الأوكسجين يستمر بالتنفس على عرش التحكم بالعباد، الذين يغرقون في سفينة الوطن التي تسرق وتضرب من قبل الاحتلال الإسرائيلي وأدواته.
والأكثر خطورة من كل ذلك، هؤلاء الذين يؤمنون بأن الأمور تحت السيطرة، رائعة لدرجة لا توصف، نحن في أفضل وقت، وعندما تسمعهم حقيقة ما يحدث بالشارع الفلسطيني وأن المؤشرات على أرض الواقع من أحداث مختلفة على سبيل المثال لا الحصر أحداث نابلس، بيت لحم، المخيمات الفلسطينية تبرهن أن الشارع الفلسطيني في مرحلة الانفجارات الداخلية وبالتالي التشرذم والتشتت، يجيبون هؤلاء إجابات تبرهن أنهم بعيدون كل البعد عن الشعب الغلبان الذي يستحق الأفضل.
وبدل أن يقوموا بتقييم المرحلة بشكل جدي واستخلاص العبر وإجابة عن العديد من الأسئلة منها: ماذا كان وضع الشعب الفلسطيني قبل اتفاق أوسلو؟ قبل الانتفاضة الثانية؟ قبل استشهاد القائد ياسر عرفات؟ الانقسام؟ هل المجتمع الفلسطيني موحد وواحد؟ ما هي القضايا التي كان من المتوقع أن يعالجها السيد الرئيس محمود عباس على صعيد حركة فتح؟ منظمة التحرير الفلسطينية؟ المفاوضات والاحتلال؟ هل هناك معارضة فلسطينية؟ أين ما يسمى باليسار الفلسطيني؟ هل الحركات الإسلامية أولويتها التحرير أم السيطرة على الحكم؟ لماذا لم تولد أحزاب جديدة؟ أين الدم الشاب في قيادة الأحزاب والمؤسسات؟ لماذا استطاعت إسرائيل زيادة وتكثيف عملية بناء المستوطنات؟ هل انتهى مشروع الدولتين والآن نحن في مرحلة الدولة الواحدة؟
إن القضية الفلسطينية تدمر بسبب فعل الذات وليس بسبب فعل الآخر، لأن الآخر من البداية يسعى ألا تكون أنت أنت، بل أنت لا أحد، ضمير غائب كشعب بين الشعوب.
وبوضوح أقول، إن عدم التجديد في أدوات المؤسسات، بالتالي أهدافها، أدى إلى وضع البلد بكل مستوياتها على كف عفريت.
إن التخوف الكبير من أن البلد على كف عفريت في ازدياد دائم، وإن التساؤل حول حتمية انهيار السلطة أمر محفوف بالأخطار من جهة، وعدم وجود تفسيرات لما يحدث والتفكير بمسارات وبدائل من جهة أخرى.
لهذا على قيادتنا الاعتراف بمسؤوليتها بأن معالجة مظاهر المرض بدلاً من المرض نفسه قد يتسبب في موت المريض.