الديمقراطية الرأسمالية تتهاوى في فرنسا

التقاط.PNG
حجم الخط

 

في بداية الثمانينيات، شاركت في مؤتمرات شعبية، قادتها النساء والأمهات الإنجليزيات، ضد رأسمالية مارجريت ثاتشر، وصديقها رونالد ريجان، وكان أيضا صديقا للرئيس المصري، أنور السادات، الذي تم اغتياله يوم 6 تشرين الأول 1981، وهو فوق المنصة يشهد الحفل العسكري بعيد النصر، بينما أنا، تحت الأرض بسجن النساء بالقناطر الخيرية، لو أدرك السادات ما جاءني من خير، بعد إصداره القرار بحبسي، ما أقدم عليه أبدا، وكنت طبيبة وكاتبة محاصرة في الداخل والخارج، فانتشر اسمي في العالم.

عادت الذكريات منذ سبعة وثلاثين عاما، وأنا أشهد اليوم، في كانون الأول 2018، الثورة الفرنسية الجديدة ، ضد الرأسمالية الشرسة، وديمقراطيتها الليبرالية الخادعة ، تذكرت النساء والأمهات الإنجليزيات، بحشودهن الراقدة على الأرض يحاصرن القاعدة الأمريكية العسكرية جرينهام كومان، في الغابة القريبة من لندن، دعتني صديقاتي الثائرات، الى الرقاد معهن فوق الأرض، لتمر الدبابات من فوق أجسامنا، قبل دخولها الى القاعدة الأمريكية، همست لنفسي في ظلمة الليل، لماذا تموتين يا نوال من أجل تحرير الإنجليز، الذين نهبوا خيرات بلادنا بالقوة المسلحة، وقتلوا شبابنا الفدائيين في منطقة قناة السويس، منهم زميلي بكلية الطب، أحمد حلمي، والد ابنتي الكاتبة منى حلمي، أليس الأفضل لك يا نوال، أن تموتين داخل سجن الوطن، بدلا من تجمدك في الثلج بغابة إنجليزية؟

توقفت عن صد الدبابات الأمريكية بجسدي، وأصبحت أشارك في ثورة النساء والأمهات الإنجليزيات بالهتاف فقط: تسقط ثاتشر- ريجان، يسقط الاستعمار الأمريكي، تسقط الديمقراطية الرأسمالية، تسقط الليبرالية البرلمانية، وغيرها من الشعارات الثورية التي انتشرت في ذلك الوقت.

كان النهار ينقضي في المناقشات، حول فساد الرأسمالية العالمية والمحلية، وأكذوبة السوق الحرة والانتخابات الحرة, يعني حرية الأقوياء الأثرياء في النهب والقتل، يتم إجهاض الثورات الشعبية بالانتخابات، تشتري الحكومات أعضاء البرلمانات بالأموال والمناصب، يخون الأعضاء المنتخبون وعودهم للشعب، يتم تقسيم القوى الثورية والاتحادات العمالية والنقابية، بالمنافسات الحزبية والبرلمانية ، تحت اسم الديمقراطية.

واليوم في نهاية 2018، يردد الشعب الفرنسي الهتافات التي رددها الشعب الإنجليزي منذ سبعة وثلاثين عاما، يرفض الثوار والثائرات الفرنسيات خديعة الانتخابات وعمليات التمثيل البرلماني، لاختيار قلة منهم تمثلهم لدى الحكومات، وتخون أهداف الملايين، تقود الثورة الفرنسية الجديدة النساء والأمهات والشباب المقهور، في حركة السترات الصفراء ، وتلاميذ المدارس والعمال، تمتد الحركة الشعبية الجديدة في كل أنحاء فرنسا، بدأت الشرارة من القاع، من القرى والفقراء والعاطلين والنساء المقهورات جنسيا واقتصاديا، يعلنون عبر الفيسبوك والتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل الاتصال الشعبي: لن يحكمنا ولن يمثلنا إلا أنفسنا، لن تقسمنا الحكومة، ولن تجهض ثورتنا عملية الانتخابات، ثورتنا ليست فقط بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب علينا، وتخفيضها على الأثرياء، بل هي ثورة شاملة ضد النظام كله، بسبب تراكمات الفساد والخداع والفقر والبطالة والغلاء والمرض والقهر.

منذ يومين، 17 كانون الأول، جاءتني رسالة إلكترونية من الإضراب العالمي للنساء، تقول إن جبهة الأمهات في فرنسا، أصدرت بيان 8 كانون الأول، تعلن التضامن مع حركة السترات الصفراء، التي بدأت 17 تشرين الثاني الماضي، وامتدت في كل فرنسا، وشملت الأطفال وتلاميذ المدارس الثانوية، واجهوا عنف الدولة، التي قتلت واعتقلت منهم المئات، وأجبرت الآلاف، تحت تهديد السلاح، على الركوع وأيديهم مربوطة خلف ظهورهم، أعلنت جبهة الأمهات: لن نسكت على ما تفعله الدولة البوليسية بأطفالنا، من حق الأطفال تنظيم أنفسهم سياسيا، للدفاع عن حقوقهم المهدرة، تشكلت أول نقابة للأمهات والآباء في القرى والأحياء الشعبية لحماية أطفالنا، ضد بطش الدولة الديكتاتورية العنصرية، نحن نرعى أطفالنا ونفديهم بحياتنا ، إنهم الحب والأمل والمستقبل، نؤيدهم في دفاعهم عن الكرامة والحرية والعدل والمساواة، ونعلن للدولة البوليسية، لا تلمسوا أطفالنا، احذروا غضب الأمهات، وثورة النساء، إنها البداية لنهاية نظامكم الفاسد، دولة تقهر أطفالها هي دولة بلا مستقبل ، دولة ترهب أطفالها هي دولة فاشستية، اتحاد درع الأمهات هو الأقوى من أي سلاح نووي، لا مكان للبوليس في المدارس، من حق أطفالنا التظاهر والتعبير عن أنفسهم بحرية، لن نسمح لكم بأن تمسوا أطفالنا. توقيع: درع اتحاد الأمهات الفرنسيات, 8 كانون الأول 2018.

...عن «الأهرام» المصرية