من يكتب السطر الأخير في عام 2018؟

التقاط.PNG
حجم الخط

 

انتهى عام 2018، ولا شيء ينتهي في حياة الفلسطينيين، الحياة مفتوحة، السنوات تتداخل كما الأعمار، بدأنا بشهيد وننتهي بشهيد، وفي كل شهيد دفقة للحياة، وفي كل دفقة يوم آخر جديد، وعندما يحاول الإسرائيليون كتابة السطر الأخير لهذا العام يقفون عاجزين، الحبر يسيل دم، والكلمات كائنات، هناك من يصرخ بين السطور، هناك من ينهض من الخيال، يحفر اسمه، ينجو من شرك الغياب والأساطير...

لقد فاض عام 2018، وفعل الإسرائيليون كسلطة محتلة كل شيء ليصلوا إلى الختام، تطهير عرقي متصاعد للأرض والسكان والشجر والماء والهواء، سجون صغيرة وكبيرة، معازل وحواجز وقتل يومي، تصعيد جنوني للمتطرفين المستوطنين ولمنظمات الإرهاب اليهودي، حرقوا واعدموا واستباحوا، الضحايا أكوام أكوام، ولكن البطل الإسرائيلي لم يظهر في النهاية، لم يردد نشيد هتكفا، هناك من يطارد دولة البطل الإسرائيلي، القراءة ناقصة، التقارير ناقصة، هناك من يهدد القارئ والمؤلف بفصل النهاية.

لا زالوا صامدين عنيدين من الوريد إلى الوريد، هكذا يقول جنرالات الحرب وصانعي السياسة في إسرائيل، أحلام الفلسطينيين اكبر من مشاريعنا التوراتية والاستيطانية، اكبر من ترسانتنا العسكرية المتضخمة، لقد حشرناهم في بقع جغرافية ضيقة لكنهم حشرونا في معسكر وداخل دبابة، أين ارض إسرائيل الكبرى، ارض الميعاد ؟، نحن لازلنا تائهين نبحث عن العودة في الخرافة، والفلسطينيون يتدربون على البقاء والعودة وينجون من النسيان.

لا زالوا صامدين، يقول تقرير الأمن القومي الاستراتيجي الاسرائيلي في نهاية عام 2018، أجيال فلسطينية مختلفة ومتمردة وشجاعة لا تهاب الموت، نساء لسن ككل النساء، لهن غيمات ماطرات ولادات حاضنات للريح والثورات والمخاضات والانتفاضات والمطر، قوة الحليب وبلاغة الموت عندما يقدم للإحياء براهين الأمل والحياة.

التقرير يقول: حاولنا ان نضع نهاية لهم، وكلما أمعنا في الحرب على هويتهم ووجودهم وشددنا الخنق على أنفاسهم كلما ازددنا بشاعة وفاشية وعنصرية وعطشا إلى الاستقرار، غرقنا في التطرف والفساد حتى أصبحنا على قائمة الدول العالمية مصنفين كدولة ابرتهايد في المنطقة، دولة عار وفضيحة، دولة خارج القانون، لم نعد نعرف ما هو الغد، تآكلنا داخليا، تصرفاتنا تشبه تصرفات النازية، الدين والاستيطان والاستبداد والهوس تحكمنا والبندقية.

لم نعد قادرين على كتابة السطر الأخير لعام 2018، تقول حكومة تل أبيب، جربنا كل شيء بدون جدوى، الاستيطان تضاعف أربع مرات منذ اتفاقية أوسلو، شرعنا المستوطنات في الضفة والقدس وزدنا عدد المستوطنين الذين قاربوا على المليون، لم نرحمهم، لم نتعامل معهم كبشر، أعدمنا المئات منهم على الأرصفة والحواجز، حجزنا أكثر من 255 جثة لشهدائهم، اعتقلنا أكثر من 6000 أسير هذا العام، لاحقنا أطفالهم وحجارتهم قتلا واعتقالا، هدمنا وصادرنا أكثر من 539 بيتا ومنشاة، قتلنا 295 شهيدا وتسببنا في إصابة 29 ألف شخص، أقمنا 705 حاجزا عسكريا، لم نبق تحت أقدامهم أرضا ليقيموا عليها دولة، وظفنا الكنيست ليشرع مئات القوانين المعادية لهم، لاحقنا أناشيدهم ومناهجهم في المدرسة والقصيدة، أغلقنا عليهم كل الأبواب ولكنهم خرجوا في النهاية، طردونا من الرواية وصاروا هم الحكاية.

ما هذا الشعب الذي يموت ولكنه يقتلع الموت ويحيا؟ ما هذا الشعب العصي على الهزيمة؟ لم ننتصر حتى الآن، صورة النصر الأخيرة ليست لنا، انها صورة التقطت أثناء مسيرات العودة في قطاع غزة أطلق عليها أيقونة المقاومة، لتكون إحدى أجمل عشرين صورة في العالم خلال العام الحالي حسب صحيفة الغارديان البريطانية، صورة الشاب عايد أو عمرو الذي يحمل بيده العلم الفلسطيني وبالأخرى مقلاعا، كاشفا صدره للقناصة والرصاص دون خوف، يتجاوز السياج واضحا واضحا، يتقدم إلينا، ونحن محشورين في معسكر وداخل أبراج الحراسة، أيادينا على الزناد، مقنعين ومدججين بالليل والرصاص والقناصة.

النصر تأخر عن دولة إسرائيل بقدر عمرها المسلح، الضحايا يعيشون في المعنى والفكرة، والأبطال الإسرائيليون شاخوا من الانتظار، البداية غامضة، والنهاية غامضة، ليس لنا أمنيات بعد الآن سوى ان لا يرسلونا إلى النبي صالح أو مخيم الدهيشة، التعليمات تكذب، وصورة الشيء لا تظهر ما بعد الشيء،ـ نحن الذين رأينا كل شيء، هناك في بيوتهم، وفي وجوههم الغاضبة، هذا ما كتبه جندي إسرائيلي في مذكراته في نهاية عام 2018.

من يكتب السطر الأخير في نهاية عام 2018؟؟؟

الأسير كريم يونس الذي تجاوز ال 37 عام داخل السجن، يحمل مؤونة عمره أملا ويقينا وصمودا ولا ينكسر، أم ذلك الجندي الذي يطلق الرصاص على المقعد مبتور القدمين إبراهيم أبو ثريا على السياج في قطاع غزة بعد ان رآه يرفع العلم ويجري إلى القدس، يستعيد قدميه.

من يكتب السطر الأخير في نهاية عام 2018؟

هؤلاء الذين يرتكبون المذبحة تلو المذبحة، أم الذين رغم السجن والحرمان يرسلون نطفهم المهربة، ويكون أطفال وعائلة وأعياد ميلاد وأجراس وأشجار مضيئة في السماء معلقة.

في عام 2018:

إسرائيل ظلت تختبئ في ثكنة مقفرة..

لم تستطع ان تغسل يديها من دمنا ..

لم تنتصر بالقوة المسلحة..

ولا بالقوة الناعمة..

في كل موت فينا..

ظلت حياة دائمة.