2018: تراجع العنف وتصاعد الصخب

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

قبل الدخول إلى العام 2019، وتوقع ما يمكن أن يحدث فيه أو خلاله من أحداث سياسية مهمة أو حاسمة، لا بد من توديع العام 2018 بجردة حساب، ترصد ما حدث خلاله من وقائع، تؤسس عملياً لما سيحدث خلال العام الذي سيليه. وحيث إن العام 2018 قد بدأ بعد إعلان صاخب للرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وذلك قبل ثلاثة أسابيع من نهاية العام 2017، فإن الإدارة الأميركية نفسها كانت وبدافع امتصاص رد الفعل على الإعلان المذكور، تقول: إن النقل الفعلي أو العملي للسفارة لن يكون خلال العام 2018.
كذلك كان العام 2018 قد بدأ بتفاؤل فلسطيني داخلي، بعد نحو ستة أسابيع من التوصل لتفاهمات القاهرة في منتصف تشرين الأول 2017، بطي صفحة الانقسام نهائياً، وتم تحديد أجندة تنفيذ كان أقصاها آخر تشرين الثاني لاجتماع الكل الفصائلي والانتقال للمرحلة التالية، وهي تحديد موعد الانتخابات العامة وتفعيل م ت ف، لكن العملية تعثرت في تنفيذ التفاهمات عملياً وترجمتها على أرض الواقع.
فكان الدخول للعام 2018 صاخباً، في محيط فلسطين، أي في الإطار العربي، حيث احتدمت الحرب داخل سورية واليمن، ودخلت حرب مصر مع الإرهاب مرحلتها الحاسمة، إلى أن جاء آذار، فشهد تفجير موكب رئيس الحكومة في غزة، لينتكس ملف إنهاء الانقسام، وتدخل قطر على خط التخريب على الرعاية المصرية له، ولتصدر السلطة جملة إجراءات ضد "حماس" في غزة، ولتتوقف الحوارات ومفاعيل تمكين حكومة التوافق في القطاع، حيث سارعت "حماس" للخروج من مأزقها بإطلاق "مسيرة العودة" ومحاولة كسر الحصار مجدداً عبر ممر آخر غير ممر المصالحة وإنهاء الانقسام.
ثم تمر محطة القمة العربية، دون اتخاذ إجراءات فعلية رادعة، لمواجهة أو محاصرة الإعلان الأميركي بخصوص القدس، ما شجع الإدارة الأميركية للشروع عملياً بإجراءات نقل سفارتها إلى القدس، حيث كانت زيارة ترامب للرياض، صاخبة وبمثابة إنجاز كبير للرئيس الإشكالي على الصعيد الدولي، بعد أن عاد لبلاده محملاً بمليارات الدولارات العربية ليضخها في عجلة الاقتصاد الأميركي، وليتراجع عن سياسة شد الحبال مع كوريا الشمالية.
بالمحصلة يمكن القول إذاً: إن العام 2018، شهد مع بقاء ملف الانقسام جاثماً على الصدر الفلسطيني، احتدام الحرب السياسية بين القيادة الفلسطينية والعدو المشترك الإسرائيلي/الأميركي، الذي تشجع بنقل السفارة للقدس ليلة الخامس عشر/السادس عشر من أيار، في الذكرى السبعين للنكبة، ورغم أن الجانب الفلسطيني قد حقق إنجازات مهمة على صعيد منع تدهور الإجراء ليشمل دولاً أخرى، إلا أن الأمر لم يكن نهائياً، فما أن أقفل العام دورته حتى كانت هنالك دول أخرى، تعلن مواقف مشابهة للإعلان الأميركي، وما زالت الحرب دائرة ومستمرة على هذا الصعيد.
أما مسيرة العودة، فسرعان ما تبين أنها فعل سياسي تكتيكي قامت به "حماس" من أجل تمكين حكمها في قطاع غزة، وتحسين الأحوال الداخلية بما يخفف عنها ضغط المطالبة أو التسليم بتمكين الحكومة الرسمية فيها، فانتهت شعاراتها بمحاولة التوصل إلى تفاهمات بين "حماس" وإسرائيل حول العودة لتهدئة العام 2014، أو للتوصل إلى هدنة جديدة، فتحت الباب لنيكولاي ميلادينوف المبعوث الأممي الخاص للشرق الأوسط، وللمبعوث القطري لتقديم خطط ومبادرات بهذا الشأن، وكذلك للحديث من قبل عرّابي صفقة ترامب عن الحل الاقتصادي أو حل المشكلة الإنسانية لغزة، خارج إطار حل معضلة الاحتلال، وحتى خارج إطار ملف إنهاء الانقسام.
يمكن القول: إن إسرائيل وبدعم فاضح من إدارة ترامب حققت نجاحات سياسية، توّجت بنقل السفارة، وحدوث اختراقات في جدار الرفض العربي للعلاقة مع إسرائيل، لكن الجانب الفلسطيني واصل المعركة فحقق انكفاء على الهجوم الاحتلالي في الخان الأحمر، وحقق مكسباً معتاداً في الجمعية العامة بإدانة الإعلان الأميركي واعتباره خرقاً للقانون الدولي، فيما كانت أميركا تخرج من سورية، وكذلك شهد العام 2018 صد التدخل الإسرائيلي في البلد العربي، حين حاول أن يجعل من دخول أجوائها وقصف المواقع العسكرية فيها أمراً طبيعياً، حين تصدت لها روسيا، خاصة بعد تسبب إسرائيل في مصرع ركاب الطائرة الروسية فوق سماء اللاذقية.
وفي مواجهة ملف غزة، بحث شركاء الائتلاف الحاكم في إسرائيل عن مصالحهم الحزبية، ما أدى إلى انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" واستقالة وزير الدفاع السابق رئيس الحزب أفيغدور ليبرمان من الحكومة، ما عجّل في حل الحكومة حل الكنيست وتبكير موعد الانتخابات العامة من تشرين الثاني إلى نيسان القادم.
بالنتيجة، فقد تأجل إعلان صفقة ترامب التي كان متوقعاً لها أن تعلن مطلع العام 2019، إلى ما بعد نيسان المقبل، حيث سيشهد العام 2019 محطات مهمة، هي انتخابات الكنيست الإسرائيلي، حيث ليس من المتوقع أن ينهزم اليمين الإسرائيلي وأن يحدث انقلاب داخلي في الحكم، كذلك سيشهد مفترق طرق داخلياً، فإما إنهاء حاسم للانقسام بالرضا أو الإكراه، أو انفصال تتحمل مسؤوليته "حماس"، وهذا سيتبين قريباً، من خلال إصدار الرئيس مرسوم الانتخابات من عدمه، ومن ثم كيفية وشكل إجراء الانتخابات.
كذلك سيكون حدث عقد القمة العربية في تونس، نهاية آذار القادم، مهماً لجهة إن كانت القمة ستشهد عودة محتملة للنظام السوري أم أن القمة ستتخذ هذا القرار خلال عقدها، وكذلك سيشهد بتقديرنا، حسماً للوضع داخل ليبيا، حيث من الممكن جداً إن تدخلت روسيا في ليبيا كما فعلت في سورية، أن تكون وحدة ليبيا ممكنة، كذلك يمكن أن يحدث انفراج في اليمن، مع تركيز واشنطن وإسرائيل لنيران الحرب ضد إيران، ومع تقديم السعودية للتنازل الحاسم - بسبب قضية خاشقجي - لتركيا في ملف شمال سورية.