عام جديد وكوابيس قديمة

647281527504837.jpg
حجم الخط

 

طوى العالم العام الميلادي 2018، بعد أن حزم أحداثه وأيامه وغاب في التاريخ، ليحل عام جديد تستقبله البشرية بالأمنيات الطيبة والترقب الشديد لما سيحمله من مفاجآت، وهي تظل أسراراً لا يمكن لأي قوة في الكون أن تكشفها أو تتوقع تفاصيلها، وحتى المنجمون وضاربو الرمل الذين يملؤون شاشات التلفاز ومنصات التواصل، لا يملكون من الحقيقة غير الإيهام بها والتباري في الادّعاء بكشف الغيب.

بعيداً عن أحاديث الظن، يجب التسليم بأن مسار التاريخ لا ينقطع، ولا يمكن لأي حدث أن يحصل من دون أن تسبقه مقدمات وأسباب. وما سيأتي في 2019، سيكون تواصلاً لما سبق من أزمات مفتوحة مع توقع بعض المفاجآت ذات الفعالية المحدودة. وبينما يذهب بعض المنجمين إلى أن العالم قد يشهد أحداثاً مأساوية بدءاً من الكوارث الطبيعية غير المسبوقة وصولاً إلى حرب عالمية ثالثة، تكشف الدراسات العلمية أن ظاهرة الاحتباس الحراري آخذة في الزيادة ومعها يمكن أن تعرف مناطق جغرافية فيضانات وأعاصير وزلازل مدمرة، أمّا الحديث عن حرب كونية، فيبقى هذا الاحتمال قائماً كما في السنوات الماضية، وهو ما لم يحدث من دون الجزم بما يمكن أن يكون. ومسألة الحرب العالمية الثالثة ظلت كابوساً قديماً واحتمالاً مطروحاً منذ نهاية الحرب الكونية الثانية قبل 74 عاماً، ومازالت أمراً مستبعداً، على الرغم من شدة الاحتقان السائد في العلاقات الدولية.

هناك فرق بين التكهنات القائمة أساساً على الأمنيات والعواطف، والاستشراف الذي يحاول أن يكون علماً من العلوم الإنسانية، وقوامه البناء على المعطيات الجاهزة ومحاولة تتبع المسار الأقرب إلى التحقق. فقبل 90 عاماً، عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية بانهيار بورصة «وول ستريت»، بدأ العالم يتشكل ضمن تحالفات متضادة واتّجه تدريجياً إلى صدام عسكري واسع حدث بالفعل عام 1939، عندما اجتاح الزعيم الألماني أدولف هتلر بولندا، وحصلت المأساة في غياب التنبيه والتحذير من المآل الأسود. واليوم يعرف العالم الاستقطاب نفسه تقريباً ويوجد تبادل للتهديدات بين الولايات المتحدة وروسيا على سبيل المثال، ولكن هناك نسبة من التعقل والتحسب للتّبعات والخسائر غير المحددة بسقف، ولذلك سيبقى هذا الحدث مجرد كابوس يخيّم على البشرية، أمّا تجسيده في الواقع فهو الدمار الشامل والنهاية.

لتجنّب هذا المصير، لا يبقى أمام الأمم والشعوب غير التفاؤل بالمستقبل، ومحاولة التكيف مع التطورات السلبية والسعي إلى تجاوزها، مهما كانت الأثمان، وعوض العيش في أقفاص الخوف والريبة من الآتي، يجب البحث عن المشترك في المجتمع الإنساني لتطويره والبناء عليه، أمّا ما سوى ذلك فهو تكريس لمزيد من الإرهاب النفسي والسياسي والاقتصادي وصولاً إلى الخسران والضياع، ولا يمكن أن يوجد عاقل يرضى بأن يكون العالم محكوماً بالرعب، لأن مستقبله قائم على الشبهة والظن وليس على الثقة والأمل.

 

عن جريدة "الخليج" الإماراتية