معركة الأسرى في السجون

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

انطلاقاً من مواقع العمل الكثيرة التي تولاها جلعاد ميناشي إردان، وربما من خلال اطلاعه على السجالات الدائرة على الساحة الفلسطينية وفي الإقليم،  ومحاولة الإستفادة منها ومحاكاتها؛ خرج المذكور، بصفته وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، بصيغة مفصلة تتعلق بحياة الأسرى الفلسطينيين في السجون، تنتزع منهم كل ما حصلوا عليه بصبرهم وصمودهم وإضراباتهم على مر السنين!

هذا الليكودي إردان، تولى مسؤليات عدة بالتزامن وبالتوالي: الأمن العام، والشؤون الإستراتيجية، ووزارات المعلومات وحماية البيئة والاتصالات و"الشؤون الداخلية". وفي الكنيست، اشتغل في موضوع المخدرات المتفشية في المجتمع الإسرائيلي، ذلك كله، علماً بأن تأهيله شديد التواضع، فسقفه في المعرفة لا يزيد عن تجربته كمحام شاب لم تمتد به سنوات الخبرة في القضاء. وفي الجيش الذي هو رمانة الميزان،  كان إردان قد أبعد من الخدمة عند رتبة رائد. فليس لديه سوى خلفيته كمتطرف من حزب الليكود!

إردان هذا، في مزاودته على الآخرين من حزبه ومن أعضاء حكومته، يفترض أن السجون التي يقبع فيها أسرانا البواسل، هي ساحات إرهاب، دون أن يشرح شيئاً عن هذا الإرهاب أو يعرّفنا عن ضحاياه وكيف يمكن للسجين أن يمارس إرهاباً ويكون له ضحايا. وبناء على افتراضه، يقدم صيغة لإشقاء الأسرى وانتزاع حقوقهم الإنسانية في أن يختلطوا وأن يتسامروا وأن يتفاعلوا في مجتمعهم الصغير النقي المعذب.  يقرر فصل أسرى "فتح" عن أسرى "حماس" لتخليق مناخ إنفصالي، ولعله استفاد من توجهات موجودة في عالم الطلقاء الفلسطينيين بالمعيار الموضعي، وهم أنفسهم الطلقاء المحاصرين أو المسجونين بالمعيار الموضوعي!

وفي صيغة إردان، ينبغي  تفكيك الأقسام، وإلغاء الاستقلالية الممنوحة للسجناء فيها، وهذه تعني هامش الحركة والاستحواذ على خدمات الطهي ومتطلبات الحياة في حدها الأدنى، من غسيل ونظافة وترتيبات، وإعادة خلط افراد كل فئة، بعد الفرز السياسي والتنظيمي، لكي تعود السجون الى سيرتها الأولى، مهاجع مزدحمة يتلقى المسجونون فيها طعاماً لا يتحكمون في أساليب إعداده، ويُسمح لهم بالحركة دون التحكم في أوقاتها. وجاء في الصيغة أيضاً، ما ينزع عن الأسرى بعض المزايا النفسية لصالحهم، من بينها أن يكون هناك متحدث باسم كل قسم. ومن تفصيلات هذه الصيغة الفاجرة، يقرر إردان تخفيض مبلغ الكنتينة للأسرى، وإلغاء ترخيص إيداع مخصصات الأسرى من قبل وزارة المالية الفلسطينية!

يقول المتطرف: "يجب خلق حالة من الردع ومحاربة الإرهاب في السجون". وهذا تصريح يعكس سيكولوجية الإحتلال وهو يمارس فعل الحرب التي يشنها بين الحين والآخر، بأحدث أنواع الطائرات لكي يقصف بيوتاً وعربات كارو وسيارات نقل وأسواق ومدارس، ويطرح نفسه محارباً للإرهاب ويردع قوة جبارة!

إن هذا الذي يتولى وظيفة الأمن الداخلي أو الأمن العام، ينظر للأسرى الفلسطينيين في سجونهم، بمنطق البلطجة وتخليق الإتهامات، ويفترض أنهم قوة عسكرية استراتيجية، بينما هم خليط من النبلاء من كل فئات الأعمار، منهم الفتية الصغار والشيوخ، والنساء والفتيات، وجميعهم يعانون عذابات مريرة في المعتقلات الصهيونية، وكثيرون منهم محكومون بالسجن مدى الحياة،  وبعضهم مسجونون منذ عشرات السنين، ويعانون أمراضاً. إن كل ما يريده هؤلاء البواسل، هو الحصول في سجونهم على ما يتاح للسجناء بموجب مواثيق حقوق الإنسان الدولية، على الرغم من كونهم سجناء من أجل الحرية وحتى الذين قاوموا بالسلاح، فلم يفعلوا ذلك للسلب أو لتنفيذ أعمال جنائية، وإنما لانتزع حريتهم وحرية شعبهم وهذا حق تكفله لهم كل الشرائع.   

إن معركة الأسرى، رموز الحرية، تنصبُّ أساساً على تحسين ظروف اعتقالهم القاسية. فالاحتلال يتعمدتقصير أعمار الأسرى،  من خلال الاكتظاظ والظروف الحياتية الصعبة، وشُح العلاج وممارسة الانتهاكات للحقوق الإنسانية في حتى في الطبابة بتجريب الأدوية والعقاقير الجديدة على السجناء. وهناك سوء التغذية، ورداءة البيئة والضغوطات النفسية، وكل هذه عوامل مسببة للأمراض المزمنة والعاهات الدائمة!

للأسف لا تحظى قضايا الأسرى بالاهتمام السياسي، الذي يرفع شأنهم الى مستوى الطرح في الاتصالات الدولية وفي المراسلات والاتصالات مع المنظمات الإنسانية، وأثناء مداخلات الوسطاء السياسيين الذين لديهم علاقات مع حكومة الإحتلال ويستمعون الى متطلباتها الأمنية دون تذكيرها بخروقاتها اليومية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني.

هناك تقصير فاحش، على الرغم من الجملة المأثورة التي يختم بها الخطباء كلمتهم وهي نداء الحرية للأسرى البواسل، وعلى الرغم من بالمكانة الأدبية الرفيعة التي يحظى بها الأسرى الفلسطينيون لدى شعبهم. فهؤلاء، ورغم الانقسام الفلسطيني، موحدون في حرصهم على تحقيق الوحدة الوطنية، وموحدون في مجابهتهم المعنوية لمخططات السجان، الذي يستهدف كسر إرادتهم. لذا تراهم أمام كل ممارسة صهيونية عنصرية، يلجأون الى سلاح الإضراب ويخوضون معارك الأمعاء الخاوية، وهم الآن يتهيأون الآن لخوض المعركة النبيلة لمواجهة صيغة المتطرف العنصري جلعاد إردان!