حرّاس الانقسام

tyotrjcv.jpg
حجم الخط

 

لم تعد كلمة «عيب» تليق بما يجري بين حركتي «حماس» و«فتح» أو بين سلطتي غزة ورام الله. صارت هذه الكلمة تافهة وسخيفة ولا تعبّر عن حقيقة ما وصلت إليه الأمور بين حركتين تدّعيان تمثيل الشعب الفلسطيني.

قبل الآن كان هناك بصيص أمل ولو ضئيل، بأن يعود التعقل والوعي والحس الوطني إلى قيادتيهما، لكن بعدما فاض الكيل وتجاوز خلافهما الزبى، صار من الضروري المجاهرة والمصارحة بقول الحقيقة ولو كانت مؤلمة وجارحة مثل حد السيف.

كل المحاولات التي بذلت والوساطات التي طرحت من أكثر من بلد عربي على مدى سنوات الانقسام، منذ استيلاء «حماس» على قطاع غزة قبل 11 عاماً، باءت بالفشل، لأن الطرفين لا يريدان الوحدة الوطنية ويفضلان الانقسام على ما يمكن أن يلمّ الشمل ويوحد المواقف، ولأنهما أصبحا أسيرين لمصالحهما الفئوية والفصائلية والشخصية، ولم تعد القضية الفلسطينية بالنسبة لهما إلاّ غطاء يستران به عوراتهما.

هذا الفحيح من الاتهامات المقرفة المتبادلة، والأساليب الصبيانية في التعامل مع مصالح الشعب الفلسطيني، حتى الحياتية منها، والاعتقالات والاعتداءات التي تطال أنصار ومؤيدي الطرفين، هو نفسه ما تمارسه «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني يومياً.

الشعب الفلسطيني يستحق قيادات أفضل، تؤمن بوحدة الصف وترفض الانقسام، وتحترم إرادته، وتلتزم خياراته، وتدافع عنه وتحميه من مخاطر تصفية قضيته، وتؤكد حقه في الدفاع عن حقوقه، وتضع له البرنامج الوطني الذي يقود إلى تحرير أرضه واستعادة حقوقه، وتتجاوز كل الخلافات البينية، مهما كانت وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والقومية، لأن فلسطين ليست ملك أشخاص أو تنظيمات، والشعب الفلسطيني لم يعط صكوك ملكية لمن يقامر ويغامر ويبرم الصفقات، ويقدم ولاء انتمائه العقائدي والإقليمي على ولائه الوطني، أو يعقد الاتفاقات المشبوهة وينسق مع عدو الأرض والشعب.

إن من يحاصر الشعب الفلسطيني هو متآمر، ومن يغلّب مصالحه الشخصية والعائلية والفصائلية على القضية الفلسطينية هو متآمر، ومن يعتقل أو يعذب فلسطينياً بلا حق هو متآمر، ومن يرتبط بدولة أخرى من أجل مصالحه الشخصية أو الفئوية، ويسعى لربط القضية بها هو متآمر، ومن يتلاعب بمصير القضية تحت عناوين دينية هو متآمر.

كفى متاجرة بفلسطين، فالذين فرضوا أنفسهم قيّمين على الشعب الفلسطيني وقضيته طوال السنوات الماضية فشلوا، ولم يعد يصلحوا لاستكمال المشوار مع شعب قرر أن يتحمل عبء الصراع، وهو يقدم كل يوم، نموذجاً جديداً في النضال ضد المحتل، ويقدم قوافل الشهداء قرابين على مذبح الحرية بلا حساب منذ أكثر من مئة عام بلا كلل أو ملل.

هذا الشعب يستحق قيادات أخرى تليق بقضيته. اخرجوا من الساحة وافسحوا الطريق لآخرين أكثر وعياً ووطنية والتزاماً.. عيب أن تظلوا حرّاساً على الانقسام...وعيب أن تظلوا في موقعكم.