الانفكاك الاقتصادي واجب الإنجاز

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

ملف الانفكاك الاقتصادي عن الاقتصاد الإسرائيلي بات ملحاً وضرورياً ومطلباً للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ولم ينفك الخبراء الاقتصاديون والماليون يدلون بدلوهم في هذا الملف، وليست البداية في مؤتمر ماس الاقتصادي الأول الذي لم تتابع توصياته من قبل الحكومة التي ترأست لجنة المتابعة، وكان قبل ذلك بكثير جهد متواصل من الجامعات وجمعيات حماية المستهلك ومعهد ماس ومركز بيسان للبحوث الإنمائية وغيرها.
المعضلة ان الانفكاك الاقتصادي يُنظر اليه وكأنه عمل مغامر في غالب الأحيان لأننا لا نستطيع، وفيما تُلقى الكرة في ملعب المواطن ان يبادر للانفكاك ليتبعه القطاع الخاص، والحكومة تقول: ليقاطع من شاء ان يقاطع، نحن في وزارة الاقتصاد الوطني وفي وزارة المالية وفي وزارة الزراعة مهمتنا دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية، فنوافق فوراً ونقول لهم هيا أرونا ماذا فعلتم بهذا الاتجاه.
لغاية اليوم لم نضع وثيقة مرجعية توضح مفهوم الانفكاك؟ كيف ننفك؟ الجدول الزمني؟ الخطة التنفيذية؟ عوامل الكسب والخسارة؟ كيف سنعوض خسائرنا ونعظم مكاسبنا؟ ... لا المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ولا الحكومة ولا القطاع الخاص الذي هو الحلقة الأضعف في الموضوع.
نعم نرفع الصوت بهدف تسجيل نقاط في مرمى بعضنا البعض ليس الا، واذا غلب حمارنا نقول: نصف تجار وصناع فلسطين لديهم بطاقات تجارية مهمة تؤهلهم للدخول بمركباتهم الى داخل الخط الأخضر، اليس هذا لتعميق التبعية الاقتصادية، وأول عرض مُغرٍ من رامي ليفي يذهب صوبه البعض ليقال له آية الرزق ان شاء الله.
ولم نسمع عن أي تقدم يذكر في بناء محطة توليد الكهرباء في جنين التي ذهبنا واحتفلنا بوضع حجر الأساس لها، وتغنينا اننا نقف في هذا الموقع الذي يحمل معاني كثيرة وعبرنا عن فخرنا بالشراكة مع القطاع الخاص الذين ازدانت شعارات شركاتهم على اللوحة الخلفية لمنصة الاحتفال.
وينسحب الأمر على أول مصنع فلسطيني للأسمنت، حيث قيل لنا في الاحتفال الكبير الذي نُظم لإطلاق المشروع، ومازلنا نحتفظ بالهدايا الجميلة التي وُزعت علينا في الحفل ان المرحلة الأولى ستكون مطحنة وبعدها سيكون الإنتاج للأسمنت، وللآن لم نسمع لا خطاباً ولا تقريراً عن أي تقدم للعمل في المشروع.
إذا كنا لا نستطيع ان نحقق انفكاكاً في الأسمنت وانفكاكاً في الكهرباء والطاقة المتجددة، ترى اين هي مكامن القوة للانفكاك لدى الحكومة من خلال المناطق الصناعية التي لم تحقق العنوان الذي اريد منها للآن، ام من خلال تعميق التبعية عبر حواجز الاحتلال التي تسمى تجارية، بحيث نتماشى مع شروطها ومرجعياتها وتبادر بعض الشركات لحل مشاكلها ذاتياً مع الاحتلال.
جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسة الراصد الاقتصادي "الحملة الشعبية لتشجيع المنتجات الفلسطينية" يعتبران ان الانفكاك مشروع وطني تنموي يعزز صمود المواطن الفلسطيني ويقربنا خطوة من الاستقلال السياسي والاقتصادي، ولا نرى أن الانفكاك يأتي من خلال صياغات منمقة يستطيع ضابط احتلالي في إدارة الاحتلال المدنية ان يفشلها بجرة قلم متى شاء ذلك، سواء في زيادة كوتا استيراد الأغنام والعجول او تقليلها حسب المزاج، ومنع التوسع في استخدامات الطاقة الشمسية، القضية برمتها هي إرادة سياسية ترتكز الى قدرات كامنة يجب الابداع في استخدامها، ووثيقة مرجعية داخلية تعزز الاتجاه نحو الانفكاك الاقتصادي.
الانفكاك ليس عملاً تطوعياً وليس مجالاً بحثياً دراسياً، وهو ليس للاستخدام كلما انزنقنا سياسياً مع الاحتلال وفرض شروطه علينا، ولو أننا أنشأنا مصانع على مدار العشرين عاماً التي مضت، ولو أقنعنا أنفسنا بضرورة تقليل الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي خطوة خطوة بدلاً من إغراق السوق بمنتجاته وخدماته وتعزيز قناعة الناس بأننا لن نتنفس إلا بإذنهم، لو أننا يسرنا موضوع الطاقة الشمسية، وعملنا بإخلاص على تنمية الصادرات الفلسطينية وليس حصرها بالحجر والأعشاب الطبية والتمور.
وفجأة تُقرر جهة سيادية أننا نحتاج الى المزيد من الكسارات والمحاجر وبالتالي تصنع برنامجاً للشراكة لإنشاء تلك الكسارات بدلاً من أن نعزز قدرات الكسارات القائمة التي تأثرت سلبياً من عدم انتظام دفعات المشاريع الحكومية، وبعضها بات يعمل بنصف او ربع طاقته، والبعض الآخر عكف على المقاولات وبات يبيع حصمة وناعمة، وانسحب الأمر على مصانع الباطون الجاهز.
حتى أن الحكومة لا تتعامل بالمثل عندما يمنع الاحتلال منتجاتنا من التسويق في القدس المحتلة ويمنع خضارنا من التسويق في السوق الإسرائيلي، الا بعد وقت طويل من الزمن يأخذ أخذاً ورداً ويصبح موضوعاً شعبياً للضغط باتجاه تحقيق قرار حكومي بمنع منتجاتهم من الدخول الى السوق الفلسطيني لإجبارهم على التراجع.
منطقياً لا أدعي ان الطريق مفروشة بالورد للانفكاك حكومياً وعلى مستوى القطاع الخاص وعلى مستوى المجتمع المدني، ولكن الأمر ليس مستحيلاً، وصياغة الوثيقة المرجعية أمر مهم، وعدم التدافع في مجال الانفكاك وتحويل الأمر الى مشروع شخصي وإنشاء شركات ومؤسسات من اجلها ليس الا مناكفة بالعاملين في هذا المجال.
ضرورة قراءة الرقم الإحصائي الفلسطيني بشكل موضوعي وربطه ببقية الأرقام والمتغيرات وعدم توريط المسؤول برقم إحصائي مجرد يبني عليه موقفاً ويعتبره إنجازاً، وهو ليس الا متغير مؤقت، فالحديث مثلاً عن صادرات بلغت مليار دولار يصل 800 مليون دولار منها للسوق الإسرائيلي ونقول إننا نجحنا أي نجاح!!!، ولا يجوز ان يكون من يصيغ بياناً باسم وزارة لإلقائه في ندوة علمية يجب ان يركز في عنوان الندوة، ولا يأتي بالمعلومات وكأنه يعرض إنجازات الوزارة في تقرير، أو ان يتحدث عن الحصة السوقية لمنتجات الألبان والحليب الفلسطيني وصلت 80%!!!!.
الانفكاك جزء من مشروعنا الوطني يجب أن ينجز ضمن خطوط مرجعية واضحة ومدروسة.