بدأت آثار الإغلاق الحكومي، الذي يعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، تظهر بشكل أكبر بعد مرور شهر كامل، إذ طالت تداعياته الموظفين العاملين في الشركات الخاصة، إلى جانب أولئك العاملين بالمؤسسات الفدرالية.
ومن الشركات التي تواجه أزمة بسبب الإغلاق، "ترانسلفانيا للخدمات المهنية"، حيث يعيش 160 عاملا كابوسا مرعبا يتمثل باعتماد الشركة على احتياطاتها، في الوقت الذي يهدد شبح التسريح من العمل الموظفين لتوقف الحكومة الفدرالية عن سداد فواتيرها المستحقة للمؤسسة.
وتعمل الشركة التي تتخذ من نورث كارولينا مقرا لها، في مجال تزويد منتجات الحليب الجاف والخبز لـ"بنوك الطعام" المنتشرة بالولايات المتحدة، فضلا عن دعم جهود الإغاثة في القارة السمراء.
وخلال لقاء جمع الرئيس التنفيذي للشركة جيمي براندنبورغ بالموظفين قبل أيام، أشار المسؤول إلى أن احتياطيات الشركة قد تكفي حتى منتصف شهر فبراير المقبل فقط، وأنه يبحث عن "حلول تجارية بديلة" لا يؤثر عليها الإغلاق الحكومي، وفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست".
ولا يقتصر تأثير الإغلاق الفدرالي على التوقف عن دفع رواتب 800 ألف موظف حكومي فقط، ولكنه يهدد أيضا أعدادا كبيرة من العمال في الشركات الخاصة التي تتعامل مع الوكالات المتضررة بقرار الإغلاق.
وتمثل "ترانسلفانيا للخدمات المهنية"، واحدة من بين 10 آلاف شركة مرتبطة بعقود مع مؤسسات وجهات فدرالية، تأثرت سلبا بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإغلاق، طبقا لتحليل أجرته الصحيفة الأميركية لبيانات هذه الفئة من المؤسسات.
وطبقا لتلك البيانات، فإن متوسط قيمة أعمال هذه الشركات أسبوعيا، والمتأثر بالإغلاق، يبلغ 200 مليون دولار.
ومن المتضررين أيضا بقرار ترامب، شركة "آر 3" للخدمات الحكومية، التي بات عدد من موظفيها "جالسين في منازلهم" بدون راتب، بحسب الرئيس التنفيذي للعمليات غلين هارتنغ، الذي أشار إلى أنه اضطر إلى الإبقاء على رواتب آخرين خوفا من احتمال انتقالهم لشركة منافسة.
ومن بين الحلول التي تلجأ إليها الشركات المتعاقدة مع مؤسسات فدرالية لمجابهة تداعيات الإغلاق، إلغاء التدريبات المهنية غير الضرورية، ومنح الموظفين إجازات إجبارية.
ويعد تأثير الإغلاق على العاملين بنظام العقود أكبر من ذلك الذي طال الموظفين الفدراليين، لأنهم لن يحصلوا بعد إنهاء الإغلاق على تعويضات مقابل الأيام التي لم يعملوا فيها.
ويمتد تأثير الإغلاق ليطال حتى العقود الفدرالية التي لم يجري تعليقها رسميا، إذ قد تغرق تلك المؤسسات المتعاقدة بالتعقيدات المتصلة بالإغلاق.
ومن الممكن أن لا يتم الأخذ بعين الاعتبار بالمراسلات والملاحظات في السجلات الفدرالية، كما أنه قد لا يتوفر موظفون فدراليون لتسليم الدفعات المالية والتحقق من إكمال الأعمال على الوجه المطلوب، بالإضافة إلى عجز الموظفين المتعاقدين عن العمل إلى جانب الفدراليين، في حال إغلاق المبنى الذي يعملون فيه.
وفي العديد من الحالات، لا يعرف تأثير الإغلاق على الموظفين المتعاقدين لأن الحكومة لا تحتفظ بسجلات بشأنها، وكثيرا ما تتردد الشركات في الحديث علنا عن أعمالها التعاقدية لأسباب تنافسية.
ماذا يفعل الموظفون المتعاقدون؟
تتنوع أعمال الموظفين المتعاقدين وشركاتهم تجاه الحكومة الفدرالية ومؤسساتها، حيث تشمل قطاعات عديدة مثل السيارات والأثاث والطعام والسلع التي تشتريها الحكومة الفدرالية.
ومع ذلك، لا تمثل حسابات المتعاقدين بالنسبة للوكالات الفدرالية التي تضررت بسبب الإغلاق، أكثر من خمس إنفاق الحكومة الفدرالية، وتنحصر في المنتجات، بينما تذهب النسبة المتبقية للخدمات.
وتشمل هذه الخدمات دعم المكاتب الفدرالية والبرامج الحكومية عبر الأعمال الكتابية وتحليل الميزانيات وتنفيذ الدراسات التخصصية.
كذلك تشمل العقود خدمات، مثل التدبير المنزلي وتوفير الأمن للمباني المملوكة من الحكومة، إلى جانب الأبحاث والتطوير لبرامج استكشاف الفضاء.
لماذا تهتم الحكومة بالتعامل مع مثل هذه المؤسسات؟
تستعين الحكومة الفدرالية بالشركات المتعاقدة لكونها تؤمن لهم قوة عاملة متخصصة بمقدورهم توزيعها بما يتناسب وطبيعة المهام المطلوبة واحتياجات العمل، بسهولة أكبر مقارنة بالموظفين الدائمين.
وللاعتماد على الشركات من خارج الحكومة الفدرالية اعتبارات سياسية أيضا، كالحد من حجم القوى العاملة الفدرالية، وتقليل المنافسة مع الأعمال، وفق ما أشار أستاذ الخدمة العامة في جامعة نيويورك الأميركية، بول لايت، الذي بيّن أن تعداد المتعاقدين مع الحكومة الفدرالية يصل إلى 4 ملايين موظف، مما يمثل ضعف العمالة الفدرالية الدائمة.
وتعتبر كل من فرجينيا وميرلاند في طليعة الولايات الأكثر عرضة لتداعيات الإغلاق الحكومي، لأن حصتها تمثل ما نسبته 37 سنتا لكل دولار من المنتجات والخدمات التي تسلّم بموجب عقود مع الوكالات المغلقة.
تداعيات خطيرة
وتسبب الإغلاق الجزئي للحكومة، في توقف نحو 800 ألف موظف فدرالي عن العمل أو عدم تلقيهم رواتب.
وبدأت علامات الضجر والتململ تظهر على هؤلاء الذين يعملون دون أجر، إذ بات الكثير منهم يدعي الإصابة والمرض، حتى لا يذهب إلى عمله، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها.
أما الوزارات الحكومية المتضررة فهي: الزراعة والتجارة والأمن الداخلي، وزارة الإسكان والتنمية الحضرية، والداخلية والعدل والنقل والخزانة ووكالة حماية البيئة.
وتوقفت إدارة الغذاء والدواء عن عمليات التفتيش الروتينية للتأكد من سلامة المأكولات البحرية والفواكه والخضراوات المعرضة لخطر التلوث، كما امتنعت عن قبول طلبات الموافقة على الأدوية الجديدة.
وبسبب قلة الموظفين العاملين في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، تضررت عمليات مراجعة الدمج والاستحواذ، كما تم تعليق التحقيقات في مخالفات الأوراق المالية.
وأغلقت وزارة الزراعة مكاتب وكالة خدمة المزارعين، وأجلت تقديم طلبات التعويض للمزارين المتضررين من آثار التعريفات الجمركية الصينية.
وطال الإغلاق الحكومي أيضا المعرض الوطني للفنون في العاصمة واشنطن، الذي أغلق أبوابه في وجه الزوار.
من ناحيتها، علقت هيئة الاتصالات الفدرالية المسؤولة عن الاتصالات السلكية واللاسلكية والإعلام معظم عملياتها، بما في ذلك في معالجة شكاوى المستهلكين.
كما توقفت وزارة الداخلية عن قبول طلبات الحصول على المعلومات وفقا لقانون حرية المعلومات الجديدة.
وفي ملف الأمن، فقد يطال الإغلاق الحكومي رواتب موظفي خفر السواحل الذين يتلقون رواتبهم من وزارة الأمن الداخلي، مما ينذر بخطر كبير في حال استمر الإغلاق الحكومي، دون أن تتمكن الوزارة من تأمين رواتب لهم في المدى المنظور.