لا حلول فنية تحت الاحتلال

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

ظلت الحكومة ووزاراتها وهيئاتها غير الوزارية تتعاطى مع القضايا المفصلية في البلد بأنها تحتاج الى حلول فنية وليس سببها الاحتلال الذي يعكر صفو حياتنا، فالاستراتيجيات الحكومية تقوم على أساس ان الاحتلال عامل ثابت قائم لفترة أخرى فيصاغ "سيناريو إذا استمر الوضع الحالي على حاله لـ 10 سنوات قادمة".
ومن هنا جاء التعامل مع أزمة قلنديا المرورية والازدحام على اعتبار ان حاجز الاحتلال في قلنديا باق وعلينا التصرف ضمن هذا المعطى ونبحث عن حلول فنية ويتطوع العشرات بطرح حلول فنية لمساعدة الحكومة ووزرائها في التفكير، ولم تكن هذه القضية الأولى بل كان الأمر لا يختلف كثيرا عند التعامل مع طريق حوارة نابلس والبحث عن حلول فنية في ظل الحاجز في حوارة وفي ظل استمرار مرور المستوطنين من الطريق وشبكة المياه التي تغذي المستوطنات.
ولم يختلف الأمر عند التعاطي مع المياه التي تعتبر حقا إنسانيا وليست سلعة ولا يحرم أي إنسان منها، وبدلا من التوجه لتحصيل حقوقنا المائية المنهوبة وزيادة كمياتنا لتتناسب مع الكمية المقرة من منظمة الصحة العالمية بحيث لا تقل حصة الفرد عن 174 كوبا يوميا في حين أن الفرد الفلسطيني تقل حصته عن اقل من النصف وتصل الى 55 كوبا للفرد، وتغرق سلطة المياه والحكومة بالبحث عن حلول فنية، ترشيد الاستهلاك، جدول توزيع المياه، تركيب عدادات مياه مسبقة الدفع، تقليل نسبة الفاقد التي ترتفع عن المستوى في عديد المحافظات.
وواضح ان الحل ليس فنيا في المياه بالمطلق، بل هو حل سياسي يتم من خلاله السيطرة على مواردنا المنهوبة في المياه وتحويل الملف الى ملف حقوقي وليس الى ملف حلول فنية، ونذهب باتجاه اللجنة المشتركة في المياه الفلسطينية – الإسرائيلية التي أطلقت يد الاحتلال في المناطق المصنفة قسرا "ج" وأتاحت مشاريع مياه للمستوطنات دون موافقة اللجنة المشتركة.
وذهبت الحكومة وسلطة الطاقة صوب توقيع اتفاقية رفع القدرات في محطات تشمل الجلمة وصرة وبيت أولا والقدس ولم يتم التنفيذ، وواضح ان الحل الفني لم يجد بل التوجه السليم باتجاه الاستقلالية في القطاع وخصوصا توليد الكهرباء وتنمية الاعتماد على الطاقة المتجددة، كون استمرار الاعتماد على مصدر طاقة وحيد من خلال الكهرباء القطرية سيؤثر علينا من حيث نقص القدرات وتذبذب السعر الذي يذهب غالبا باتجاه الارتفاع.
ويستمر المشهد الذي يسيطر عليه الحل الفني بصورة أغرقت الناس بهموم متراكمة على المدى القصير والطويل، بحيث بات محور العمل الحكومي تشكيل لجان فنية لمتابعة ملف تسهيل التجارة، ولن تصل اللجنة الى شيء إلا طلب تسهيلات إسرائيلية كون الموانئ والمطارات ليست تحت السيطرة. بالتالي نوائم انفسنا مع شروط الشحن والتخليص ويخرج علينا خبراء مستقلون وشركات بأن درجة الالتزام بالشروط الإسرائيلية سيجعلك تخلص شحنتك بسرعة فائقة وإذا لم تلتزم فأنت المخطئ!!!!
وبات ملحا التعامل مع حواجز الاحتلال والتي تسمى تجاوزا معابر تجارية من خلال مرجعيات إسرائيلية بتدخلات من مكتب "الرباعية" في فلسطين وتضع تصورا في الذهنية ان هناك تسهيلا للتجارة وها هي انسيابية حركة البضائع تسير على خير ما يرام، وتلتقط الصور وتمنتج اللقطات التلفزيونية لتوزع على أوسع مستوى للإيحاء ان الأمور على ما يرام.
وفي حال أغرقنا انفسنا بالحلول الفنية دون النظر لجذر المشكلة وهو الاحتلال سيصبح ضباط الاحتلال في "بيت ايل" هم الملاذ للحلول الفنية، تارة عبر ضابط الاحتلال للزراعة الذي يسهل دخول مزارعين الى كيبتوسات ومزارع في مناطق 1948 ليطوروا قدراتهم الفنية ويتعمقوا بالحلول الفنية، وضابط احتلالي آخر يسهل مشاركة شركات في معرض بمدينة من مدن 1948، وسيطرح ضابط الاحتلال للمواصلات حلولا في مجال آخر دون ان يستثني ربطها مع المستوطنات ومن خلالها، وتحرم محافظة رام الله والبيرة من مكب للنفايات ولم تجد كل الحلول الفنية الفلسطينية من التعامل مع الأمر كون الاحتلال والاستيطان معيقا أساسيا.
ولسنا بحاجة لاستحضار تجارب الشعوب من الذاكرة الماضية، بل نستطيع ان نستحضر تجارب فلسطينية قريبة كانت ترفض البعد الفني وتصر على أن الاحتلال جذر المشكلة، ولعل تجربة بيت الشرق بقيادة فيصل الحسيني  حاضرة بقوة ولن تغيب سواء من خلال حضور القدس في الملف السياسي والثبات على الثوابت الوطنية في ملف القدس، وعن تحول ملف القدس الى ملف نضالي يوما بيوم وساعة بساعة، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتربويا وفي قطاع الإسكان، وكان هناك مجلس الإسكان الفلسطيني الذي أولى عناية خاصة للقدس، واستراتيجية تنموية للقدس، وإعلام مقدسي لكل فلسطين، وأرشيف فلسطيني، ورؤية لقطاع السياحة، بصورة قادت الى قيادة مقدسية للقدس بكل مكوناتها تعزز الصمود وتدفع العبء عن كاهل القدس.
وتجربة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات الفلسطينية تجربة حاضرة بقوة وعلامة فارقة خصوصا مع انتفاضة الأقصى وما تلاها بدلا من التوجه صوب حلول فنية مواربة تتفوق فيها المنتجات الإسرائيلية على منتجاتنا وتصنع صورة ذهنية ان الإسرائيلي افضل بكثير!!! إذاً، لماذا لا نعود لأصل الموضوع أبان مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتعزيز حصته السوقية وزيادة مبيعاته، وباتوا يقولون بلسان حال الوزارات "إحلال الواردات" حتى نبتعد عن المقاطعة!!!!
باختصار شديد نحن لسنا بحاجة لفنيين ولا خبراء بل نحتاج الى تحويل كل ملفاتنا الى حالة نضالية لا تتعاطى إلا مع جذر القضية وهو الاحتلال، وأن لا خيار إلا الاستقلال السياسي والاقتصادي وما دون ذلك مضيعة للوقت، وأي حكومة قادمة لسنا بحاجة الى حلول فنية منها ولا ننتظر حلولا فنية.