رسائل الفلسطينيين من بلجيكا

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

مع بدء العام الحالي، ظهرت توجهات جديدة في المجتمع الفلسطيني، تؤشر الى مبادرات شعبية مقبلة، تبدأ صغيرة ثم تتعاظم، وبعضها سيكون من ردود الأفعال على تردي النظام السياسي، ولدرء ممارسات القائمين عليه، الذين لا زالوا عاجزين عن إدراك تبعات ما يفعلون، أو مآلات ما يصر عليه ويعاند فيه رئيس السلطة، الفاقد للحد الأدنى من الإحساس بمخاطر ما يفعل!

المحتلون من جانبهم، نوّهوا في تقرير التقديرات الإستراتيجية للعام 2019 الذي تعده الإستخبارات العسكرية "أمان"؛ الى أن الأمور تنذر بانفلات وتدهور في الضفة مع تقدم محمود عباس في السن. فمن جهة، هناك محاولات حثيثة لطي مشروع التسوية التي تؤمّن انسحاباً إسرائيلياً من الأراضي المحتلة في العام 1967 وكلما أظهرت إسرائيل إصراراً أشد، على التمسك بالأراضي المحتلة والاستمرار في التوسع الإستيطاني، يزداد للأسف حصادها السياسي في الإقليم وفرة وزخماً، حتى بات نتنياهو يتبجح ويفاخر بعلاقات تل أبيب مع العواصم العربية. ولأن للأشياء طبائعها فإن ما يجري تكريسه من نكران لحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال الوطني على أرضه؛ من شأنه إعادة الأمور الى مربع "العنف" حسب تعبير التقرير الإستخباري الإسرائيلي، أي الى المقاومة المشروعة حسب سنن الحياة وطبائع التاريخ!

في هذه السنة، بدأت ــ وإن كانت متأخرة ــ مأسسة عملية الدفع الإجتماعي الفلسطيني، ببطلان ولا أخلاقية ولا وطنية السياق الإقصائي لرئيس السلطة ومعاونيه، ضد المجتمع الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة. فقد مرت سنوات، أتاحت لعباس ومجموعته الفاسدة، أن يُغذوا أوهامهم بأنهم يصنعون الأقدار البائسة للقطاعات الشعبية مستريحين، ودون أن يزجرهم أو أن يردعهم أحد. ومنذ البداية، استغل الفاسدون الممسكون بمقاليد الأمور، خلو الساحة الفلسطينية من أية منظومة فعالة وذات صدقية، تباشر الدور المنوط بالجمعيات الحقوقية والمؤسسات المعنية بالشفافية والعدالة وتكريس القانون. ومورست أعتى المظالم بحق الناس، وقطعت أرزاق الفقراء وسرقت رواتب الموظفين وتعرض قطاع غزة كله، للتنميط السلبي والإقصاء بذريعة حماس، وقطعت حتى رواتب المتقاعدين دون أن يرتفع صوت يصل الى أسماع الجهات المانحة والراعية والمنظمات الإقليمية والدولية والمنابر والشخصيات الموصولة برئيس السلطة. ففي كل يوم، هناك أمثلة على تصدي المجتمع الدولي أو تصدي دول منفردة، لظاهرة الانتهاكات التي تسجلها منظمات حقوق الإنسان ضد دول مستقلة ووازنة، ولم يتعرض الفاسد المتفرد في السلطة بلا مؤسسات، الى أية كلمة، وكان الأجدر أن تتحمل الدول المانحة والمنظمات الإقليمية، وبخاصة جامعة الدول العربية التي منحت التفويض تلو التفويض لمحمود عباس، مسؤولياتها لكي لا يمارس هذا الرجل صلاحياته على النحو الذي يفتك بالشرائح الفلسطينية الفقيرة ويفاقم أزمة المجتمع الفلسطيني في ظروف بالغة الحرج والخطورة. فلا ينبغي أن يظل العرب والإتحاد الأوروبي والمنظمات الإنسانية يضعون رؤوسهم في الرمال، حيال انتهاكات سلطة عباس لحقوق مواطنيها، في تناغم شائن، مع انتهاكات الإحتلال العنصري الصهيوني لإنسانية الإنسان الفلسطيني وحقوقه وتمنياته.

اليوم تحركت مجموعة "مؤسسة الغد الفلسطيني" في بلجيكا، نيابة عن "لجنة المقطوعة رواتبهم" والمطلوب هو لجان للغد ولبعد غد، وفي كل موضع، لمواجهة الظلم الذي يقع على الفلسطينيين أياً كان مصدره، مع التثبيت في الأدبيات، حقيقة أن الصهيونية هي المصدر الرئيسي لكل البلاءات، وأن لهذه الصهيونية وكلاء كثر، من بينهم هؤلاء الذين يقطعون رزق الفقير وينكرون حق الموظف البسيط في أن يتقاضى راتبه المتواضع!

مؤسسة "الغد الفلسطيني في بلجيكا" طيّرت رسائلها الى الإتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والى البرلمان البلجيكى والي فريدريك موغيريني مفوضة الشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الاوربي، وكذلك الى مسؤول قسم العمل الخارجي بالاتحاد الاوروبي، وأرسلت نُسخاً الى مكتب ممثلية الأمم المتحدة في بروكسل ولمكتب "أونروا" في بروكسيل ولمقر بعثة جامعة الدول العربية فيها، والي المركز الدولي للصحفيين، ولمؤسسة "هيومن رايتس ووتش" والي العديد من الهيئات الدولية ومؤسسات حقوق الانسان في بلجيكا.

هذا النشاط المشكور والمحدود، ليس كافياً. إن لدينا كمجتمع فلسطيني مشكلة كبيرة مع فئة تدعي الشرعية المشروعية بينما هي لا تستحي من ارتكاب أية شائنة. وهذه الفئة لا تزال تدمر عناصر الاجتماع السياسي الفلسطيني، وتنتهك حقوق الناس في الخبز والطبابة والحركة. فمن الخطأ حمايتها أو السكوت على ما تفعله، تحت أية ذريعة وأي اعتبار. فمن يُلحق الضرر بالمجتمع الفلسطيني، يصبح تلقائياً على الجانب الآخر، ولا مجال للمجاملات على هذا الصعيد!

إن ما اصدره الفلسطينيون من بلجيكا الشقيقة، عملٌ وطني وقائي، يستبق كارثة التفكك المجتمعي والفوضى. فلا بد من كبح جماح الطغاة جلابي المصائب، لكي يكون بمقدور الفلسطينيين مواجهة التحديات المصيرية والخطط المتربصة لهم ولقضيتهم!