من الذي يقطع ويدمر؟

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لا اختلاف حول ما صرح به د. صائب عريقات، بخصوص ما تنوي إسرائيل أن تفعله، من اقتطاع رواتب ذوي الشهداء والأسرى. فالرجل يقول إن دولة الإحتلال تهدف الى تدمير السلطة الفلسطينية بــ "التزامن مع فصل قطاع غزة عن الضفة، وهذه هي عينها صفقة القرن" حسب تعبيره!

 لعل جوهر الفكرة التي يطرحها صائب، أن الاقتطاع المزمع إسرائيلياً، سيدمر السلطة قبل أن يخنق الأسر المتضررة، أي إنه الشر والنذالة بعينهما. عندئذ من حقنا أن نتوسع في الكلام عن ظاهرة القطع والاقتطاع، وأن نستفسر عن مدى علم د. عريقات بالقطع الذي وقع ولا زال يقع في كل شهر، بأيدي السلطة نفسها، وما إذا كان يدمرها وهو فعل النذالة والشر، أم إنه يحميها على نحو ما يظن عباس ويبرر، علماً بأن القطع الغادر يخنق الأسر المتضررة، ويجعلها في مواضع العوز والفاقة وضعف المناعة السياسية والاجتماعية.

على هذا الأساس، لا نحسب أن اقتطاع إسرائيل مخصصات الأسرى وذوي الشهداء، يدمر السلطة بأكثر مما دمرت السلطة نفسها بيد رئيسها. فالتدمير بالمعنى السياسي، هو أن تتحول المؤسسات الى ركام، وأن يفقد كل إطار دستوري وزنه ووجوده السياسي، وأن تنتفي عن كل شخصية عضو في مؤسسة دستورية أو إطار تنظيمي، أية قدرة على النقد والتأثير، وأن تتحول الدولة أو الكيان، الى محض قعده في "المقاطعة" ينفش فيها الرئيس ريشه، ويتوهم أنه قطب الرحى، فيمارس هواية السخرية من الغائبين والحاضرين، وتنافقه مجموعة من الجلساء الدائمين، فاقدي المروءة والإحساس بالمسؤولية. إن هذا هو التدمير الذي يخشاه عريقات ويتهم به إسرائيل التي اطمأنت الى كون السلطة لا تزال تدمر نفسها بنفسها، وتؤذي مجتمعها وتُصدّع كيانها السياسي وتحرق أوراقها!

عندما يتركز الهجوم الإسرائيلي على مخصصات الأسرى وذوي الشهداء،  يتعين على أولي الألباب أن يفهموا أمراً بسيطاً لا يحتاج الى ذكاء، وهو أن  هذا الفعل عدائي وحقير، ومن يفعله منحرف وطنياً، ويريد للمجتمع الفلسطيني الإهانة والفناء. وطالما أن إسرائيل لم تقتطع حتى الآن، وأن السلطة هي التي اقتطعت وتقتطع، فمعنى ذلك أنها هي التي تقترف الفعل الشائن، الذي لا زال العدو يهدد باقترافه، وفي حال أقدم المحتلون على الفعلة من جانبهم، يكون الاستهداف لما تبقى من الرواتب، وعندئذ سيزعمون أنهم لم يفعلوا شيئاً أكثر مما فعلته السلطة.

اللافت في مسألة قطع رواتب الموظفين والأسرى وذوي الشهداء، أن قرارات القطع الممهورة بتوقيع عباس، تطال إما الأسر في غزة، أو أسر المنتسبين الى فصائل معارضة. وعباس لا زال يخشى قطع رواتب ذوي الشهداء والأسرى المتواجدين في الضفة، لأن تظاهرات هؤلاء ستكون أكثر احتشاداً على مقربة منه، تزيد عن التظاهرات ضد قانون الضمان الاجتماعي المجحف، الذي فشل انتهازيو السلطة في الدفاع عنه. وإسرائيل من جانبها، ليست مستعدة لأن تستجيب لتوسلات السلطة أن بأن تراعي إسرائيل حساسية وضعها في الضفة،  وجبن عباس وخوفه من استثارة المجتمع الفلسطيني فيها، إذ بمقدور الناس أن تصل الى "المقاطعة" بخلاف ما هو عليه وضع الناس في غزة.

على الرغم من ذلك لا تزال إسرائيل تهدد بأن تقتطع من جانبها، ما تبقى من رواتب الأسرى وذوي الشهداء، إن لم تبادر السلطة الى قطعها. وبالنسبة لذوي شهداء حماس والفصائل الأخرى في الضفة. فأي احتجاج من هؤلاء على قطع الرواتب، يمكن تعليلة سياسياً، بأية ذريعة أو بأية ثرثرة بلسان عزام الأحمد أو سواه!

لينظر صائب عريقات في الأمر من جميع جوانبه، وليتحدث بالمنطق الذي يوفي المسألة شرحاً وتوصيفاً، لا سيما وهو يعرف كيف يجري تدمير السلطة وإيذاء المجتمع، ويعرف من الذي يدمر ويؤذي بالأسلوب الذي تريده إسرائيل ويلائم صفقة القرن!