المقاصة وقضايا الأسرى والشهداء

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

ستظل الأمور تراوح مكانها في موضوع المقاصة والاقتطاعات الاحتلالية منها كيفما شاؤوا ونحن نستصرخ ضمائر المجتمع الدولي الذي بات صامتا عن مصائب أكبر من ذلك بكثير، وسنوات وراء سنوات تستمر الأمور بنفس المشهد حيث اعتاد الاحتلال على تلك الممارسة.
ونذكر بمواقف فلسطينية رسمية وقعت في العام 2012عندما أعلن الاحتلال عن مصادرة أموال المقاصة فأعلنت الحكومة عن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وعدم السماح بتسويقها في السوق الفلسطينية وتم التنسيق مع المؤسسات الشعبية بهذا الخصوص لتفعيل البعد الشعبي لإسناد القرار الحكومي، ويومها صعدت الحكومة باتجاه إلزام إسرائيل بالموافقة على إصلاح كافة أوجه الخلل في نظام المقاصة التي تحد من قدرة السلطة الوطنية على تحصيل كافة مستحقاتها الضريبية، التي تجنيها إسرائيل بالنيابة عنها.
اليوم، كنا نأمل ان يكون أول قرار على رأس أعمال مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي هو إعلان حازم بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والتفكير بسلسلة إجراءات، ودور لجنة متابعة تنفيذ قرارات المجلس المركزي والوطني باتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وإعادة النظر بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية بما فيها بروتوكول باريس كونه جزءا من أوسلو.
اليوم، كنا نتطلع ان تبادر فصائل العمل الوطني الى موقف وطني رائد باتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والحث صوب اقتصاد الصمود والتحدي.
لكننا لا زلنا نراوح مكاننا في خضم مجموعة تصريحات تقول: سوف وسوف اذا استمر الحسم ونهب المقاصة، لكن تلك التصريحات لم تشكل عامل ردع للقرار الاحتلالي لأنها لم تنفذ لغاية الآن، وهناك من يتذرع بالقول ان الموزعين لتلك المنتجات سيحتاجون اشهر لإنهاء الكميات لديهم وهذا مبرر كاف بالنسبة لهم، وهناك تجار يعتبرون قرار المقاطعة مسعى لكي يخسروا هم لصالح الشركات الصناعية الفلسطينية التي ستزيد مبيعاتها وهم لن يستفيدوا فلا مصلحة لهم بالمقاطعة!!!!
خلاصة القول، ان ردا يجب ان يحدث على الإجراءات الاحتلالية خصوصا ان الأمر يتعلق باسرانا وشهدائنا، وهذا الرد لا يجوز ان يظل شعبيا، ولا يجوز ان يلقى بالأمر على كاهل المستهلك ان يقاطع بينما المتاجر تعج بالمنتجات الإسرائيلية ومتاحة، ولا يعقل ان نعود لنموذج بعض المحلات تقاطع والغالبية العظمى لا تقاطع فتصبح الأمور التزاما وخسائر اقتصادية وعدم التزام وأرباح، فالموضوع حتى يكون هناك ردع لعدم التطاول على المقاصة يجب ان يكون  هناك قرار حكومي ملزم مانع قاطع لا نقاش بخصوصه، واذا صدر القرار لا يجوز ان يكون الخيار في تنفيذه من قبل موظفي الخدمة المدنية في الوزارات والهيئات غير الوزارية او الاجتهاد في تفسيره أو الاجتهاد في حصر كميات الموزعين، فاحدهم يقول احتاج ستة أشهر وآخر يقول احتاج أربعة اشهر.
وحتى أكون منصفا فإن تصريحات وزير المالية بخصوص منح الأولوية للمنتجات الفلسطينية على حساب الإسرائيلية وحتى المستوردة مؤشر جيد خصوصا عندما أشار ان تلك تعليمات القيادة الفلسطينية.
وتظل الأمور تدور في نفس الدائرة جريا على العادة الفلسطينية ننتظر صدور القرار بينما بالإمكان ان تبادر وزارات الاختصاص لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووضع الإجراء مبلورا أمام مجلس الوزراء والانطلاق صوبه للتنفيذ.
وهذا لا يقلل من الإسناد الشعبي للقرار بالتوعية والحث، ودور القطاع الخاص الفلسطيني عبر المزيد من التركيز على الجودة في المنتجات الفلسطينية ودور التجار بالإخلاص في إنفاذ القرار انتصارا للأسرى والشهداء ليس إلا، والموزعون للمنتجات الإسرائيلية ليسوا منفصلين عن الأمر بل جزء من الوفاء للأسرى والشهداء ويستطيعون.
هدف هذه المساهمة في هذه المساحة المتاحة أن نقول ألا شيء مستحيلا ويجب ان تظل مكونات النظام السياسي الفلسطيني قادرة على امتلاك أدوات التأثير على قرارات الاحتلال انتصار لحقوقنا وخصوصا قضية الشهداء والأسرى، وبالإمكان ان نذهب أبعد من ذلك باتجاه تغيير آليات التعامل مع المقاصة وعدم تجاوز دور الاحتلال كجاب لها وليس مقررا بشأنها.
وبالتالي لا يجوز ان تفتح المقاصة بابا للمزايدة على بعضنا البعض لنزيد الطين بله ولا يجوز ان نستغلها لفتح مؤسسات جديدة لا تؤدي دورا إلا تضارب الأكتاف في ميدان العمل لدعم المنتجات الفلسطينية دون جدوى.
ويشكل تجرؤ الاحتلال على المقاصة وحسمها دق ناقوس الخطر أننا يجب ان نأخذ الأمور بجدية أكثر بخصوص الانفصال الاقتصادي عن الاقتصاد الإسرائيلي وتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني وعدم إطالة الأمد في هذا الموضوع بصورة تفقد الناس الأمل بإحداث تغير إيجابي.
ويجب ان نحث الخطى خصوصا ان شركات أدوية عالمية باتت تتجرأ على رفع قضايا ضد شركات فلسطينية أمام القضاء الإسرائيلي مقرين ان فلسطين تنطبق عليها القوانين الإسرائيلية وليست مستقلة!!! وهذا جد خطير يتطلب ردا يوازي حجم الخطورة بحيث لا تصبح هناك سابقة قانونية تضر بتوجهاتنا التي صغناها وعملنا عليها وتريد شركات ان تسلبنا إياها!!!.
وبات ملحا ان تنشأ خلية أزمة لمواجهة ملف المقاصة تقودها منظمة التحرير الفلسطينية بالشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك الفلسطيني والوزارات المختصة، ليصبح هذا التمرين تقليدا لمواجهة هذه القضايا وما يشبهها، مثل ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك والقدس المحتلة، وما يجري في الخليل بعد سحب التواجد الدولي، والاستيطان، والتحديات في المناطق المصنفة قسرا "ج".