بقلم: سميح خلف
ما يحدث الآن في الساحة الفلسطينية يذهب العقل، وربما يلهب العواطف وربما يزيد حالة التعقيد السيكولوجي الذي يمر به الشعب الفلسطيني وبالتحديد في قطاع غزة من تراكمات الحصار واجراءات عباس التي استهدفت البنية الاجتماعية والمادية لقطاع غزة والتي لبنتها الأسرة الفلسطينية. خرجت الأمور الآن عن مصالحة فتحاوية فتحاوية واحتمالية حدوثها، أو مصالحة بين التيار الرسمي لحركة فتح بقيادة عباس وحماس أيضًا، وهناك فصائل فلسطينية استهوتها لعبة التجاذبات فمرة مع عباس ومرة ضد عباس وفي المواقف الصعبة بدعوى الحفاظ على المصالح الوطنية يدعمون عباس، ومرة أخرى يشككون فيها، إنه اللون الرمادي لتلك الفصائل التي تعودنا عليها منذ عقود ومن خلالها تم تمرير أكثر من قرار وأكثر من تنازل قامت به منظمة التحرير وما تسمعهم إلا يبكون ويتباكون الآن أن هناك تنازلات قد تمت من خلال برنامج منظمة التحرير وهم عناصر أساسية في تكوين منظمة التحرير أبان الإعتراف بإسرائيل وعادوا إلى الوطن المحتل مع عودة نهج أوسلو لحركة فتح.
المهم، أمام الإجراءات الكارثية التي اتخذها عباس والتي لم يصاب منها بشكل مباشر إلا أبناء حركة فتح وتأثرت حماس لتعطل دورة رأس المال في قطاع غزة، مما دفع الحالة المجتمعية في قطاع غزة وهي حالة فصائلية بحتة لأن تبحث عن حقوقها ومستحقاتها، هذا إذا ما تنازل البعض عن الإعتراض على برنامج محمود عباس السياسي والأمني، المهم أنها كلها تراكمات. رفع المتضررون من إجراءات عباس هاشتاج #إرحل_يا_عباس ورفع طبقة موظفين خائفين أن تلحقهم إجراءات قطع الراتب #إخترناك وهنا اختزلت القضية الفلسطينية في قضية قطع الراتب من عدمه وتناسينا المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ككل، ولكن المهم أيضًا أن من خلال التمرد على واقع قرارات عباس فإنه يصب أيضًا في أن محمود عباس لا يمكن أن يستمر بنهجهه في قيادة الساحة الفلسطينية، وبناء على مراكز استطلاع بين الشعارين إرحل وإخترناك، كانت نسبة الإختيار الأول 70% والإختيار الثاني 30% أي أن تيار إرحل هو تيار شعبي واسع وله الأغلبية، وبالحكم الديمقراطي فإن الشعب هو صاحب الشرعية وعليه أن يرحل لأن ذلك خيار شعبي ولكن لا أحد سأل نفسه وماذا بعد رحيل عباس الذي سيكون اليوم أو غدًا لأسباب متعددة، هل فكرنا بما يوازي هذا الطرح من مخططات إسرائيلية لفصل غزة عن الضفة وتحويل الضفة إلى كنتونات محاصرة (بسلطات حكم محلي) كما ذكرت الوزيرة الإسرائيلية شاكيت في مقابلة لها مع فضائية إسرائيلية بأنهم قد يضموا نصف مليون فلسطيني لإسرائيل، وهل بالطرح المباشر لرحيل عباس كيف سيكون؟ هل هو من خلال رحيل قصري أم يجب على الرئيس أن يتخذ عدة قرارات قبل رحيله لتأمين الإستقرار السياسي والإجتماعي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، تحدث الجميع عن صفقة القرن وهي تنفذ الآن فعلا على الأرض، من يمنع إسرائيل الآن في ظل المطلب الشعبي في تنفيذ مخططها بتوسيع أداة سلطات الحكم المحلي تحت حاجة السكان للماء والكهرباء والغذاء والصحة، وماذا يجب ان نفعل كفلسطينيين. رحيل عباس مسلم به وضرورة وطنية، وكما قلت، وماذا بعد؟ هل نستطيع أم نبني حصن يمنع تنفيذ صفقة القرن على الضفة الغربية وضم 70% منها، هل نستطيع أن نواجه فصل غزة عن الضفة تحت إلحاح الحاجة الإنسانية لأهالي القطاع المحاصرين أسئلة في منتهى الضرورة الإجابة عليها. بالتأكيد أن السلطة في طريقها للإنهيار، وهذا ما أقره الكابينيت بخصم 150 مليون دولار من الضرائب، ومن يساعد هذا القرار قرار عباس بعدم أخذ الأموال كلها، أي تسوية الطريق أمام إنهيار السلطة، أي اتاحة المجال لتنفيذ أطروحات مردخاي وبينيت وليبرمان وآخرهم شاكيد.
إذًا وقبل أن نطالب عباس بالرحيل، يجب تشكيل هيئة إنقاذ وطني، وأن نبتعد عن سلوك الجماد في تفكيرنا والتحجر على مواقف ما عاد من الممكن التمسك بها الآن لمناخات ذاتية وإقليمية ودولية، بل علينا حماية أنفسنا أولًا من تحويل مدن الضفة إلى دوائر معزولة وأن نقف أمام أي تصور لأي إدارة مدنية أو روابط مدن ويجب أن نحمي أنفسنا من فصل الضفة عن غزة، إذَا ما هو البرنامج المطلوب في هذه الحالة، لم تعد قصة الفصائل تلبي الحاجة للمرحلة إلا إذا توحدت وهذا ليس في المنظور، إذَا علينا بخيارات أخرى ينصهر فيها الكل الفصائلي بالمطلب الشعبي ضمن مكون شعبي عام وإطار شعبي عام يمثل جدار الحماية لأي تصور للنظام السياسي مستقبلًا يحفظ حقنا في الوطن والعودة والحقوق سواء بالكونفدرالية أو الفدرالية، فما عاد هناك وقت لأن نفكر في طرح فاشل كحل الدولتين ونحن على أبواب كنتنة مدننا الفلسطينية في الضفة الغربية.