هل زرتُ نيويورك؟ لا .. لكنك في الأفلام تسمع الجواب على سؤال عابر تائه «على بعد شارعين من هنا» .. وعلى بعد شارعين او ثلاثة تحمل أرقاماً ستوصل السائل إلى المبنى المقصود.
هل رام الله هي «نيويورك فلسطين»؟ بالطبع لا، ولو أن الأولى مجموع ست كتل مدينية هائلة، والثانية مجموع ثلاث كتل مدينية صغيرة. ربما هي، الآن، أشبه بـ «واشنطن - فلسطين»، ولو ان سكان نيويورك يضاهون في عديدهم مجموع الشعب الفلسطيني في أرض البلاد والشتات معاً.
شوارع نيويورك المستقيمة مثل خطوط الطول والعرض للكرة الأرضية، باستثناء أن الأخيرة وهمية والأولى حقيقية.
جواب السؤال عن المكان النيويوركي صار قديماً، وبإمكان سائق الأجرة أن يستدلّ عليه بالأقمار الصناعية (جي. بي. إس) دون الخرائط الورقية القديمة التي كان يحملها سوّاق السيارات.
مناسبة هذا الكلام، أن بلدية رام الله انتهت خلال عام وبعض العام من تأهيل ثلاثة شوارع في رام الله التحتا، وتنظيم حركة السير فيها. الشوارع الثلاثة هي: شارع المحكمة العثمانية، وشارع السهل، وشارع البلدية القديمة، واتجاهها جميعها: شرق - غرب، لكن حركة سير السيارات صارت متعاكسة. في الشارع الأول من الشرق للغرب، والثاني من الغرب للشرق، والثالث من الشرق للغرب.
جميعها تقطعها شوارع عمودية جانبية شمال - جنوب، والمجموع أعيد تأهيله بالكامل: تحتياً وسطحياً. أرصفة الشوارع الرئيسة والفرعية موحدة بالبلاط الصناعي، والأرصفة مشجرة بأشجار الزيتون في التقاطعات، وبأشجار على الأرصفة من نوع يقاوم صقيعا غير اعتيادي أتى على نصف أشجار شارع ركب الرئيسي، وهو كالشريان الأبهر في جسد المدينة والواصل بين رام الله الحديثة وتلك القديمة.. وعمّا قريب ستبدأ ورشة تأهيل لشوارع بطن الهوا، وبالذات شارع الشقرا حيث أسكن في شقة من اكبر عمارة في الشارع.
أحسن الشوارع الثلاثة حالاً، هو شارع المحكمة الموصل الى مبنى البلدية الجديد، لكن أحلاها هو شارع السهل، الذي يتحول، مع التأهيل، من شارع المقاهي ومطاعم الشواء، الى شارع ينافس شارع ركب الرئيسي، ويبقى شارع البلدية القديم الى حين لدكاكين الخضروات والدكاكين العتيقة.
الذين اشتكوا من وحل الشتاء وغبار الصيف سكتوا عن كلمة شكر للبلدية، التي اهتمت بوضع سرير أو «مهد» بعمق متر من الركام حتى يحمل اسفلت الشارع حركة سيارات ثقيلة دون أن «يتموج» تحت وطأتها.
جديد شوارع رام الله التحتا هو تخصيص أماكن من الشارع والرصيف لوقوف السيارات على جانب واحد من شارع ذي اتجاه واحد، وزراعة موانع حديدية مستديرة وقصيرة على الأرصفة لمنع السيارات من الوقوف على تقاطعات الشوارع الرئيسة مع تفرعاتها الجانبية. أيضاً، زراعة أحواض الأشجار بنباتات مزهرة وهشة.
الشوارع وحيدة اتجاه حركة السير جعلت الأرصفة عريضة، وخاصة في نقاط التقاطع مع الشوارع العمودية الفرعية (شمال - جنوب) بما يسمح مثلاً بفكرة وضع مقاعد خشبية متينة ليجلس الناس عليها، علماً أن حركة مرور الناس في هذه الشوارع خفيفة نسبياً قياساً بشريان شارع ركب مثلاً، او شارع الإرسال، وهو صار شارع العمارات الوظيفية العالية والمجمعات التجارية، وعيبه أنه يخلو في قسمه الأعظم، وخاصة من المقاطعة من أرصفة ملائمة تخدم حركة الناس للتبضع أو «الكسدرة» في المساءات.
تأهيل الشوارع وتنظيم حركة السير فيها من اتجاهين الى اتجاه واحد، جزء من تضخم متسارع في عديد السيارات، والحاجة الماسة الى محطات مركزية للسيارات، حيث تصّب في شوارع المدن الفلسطينية ١٤٠٠ سيارة جديدة كل شهر.
ثمة شيء يحيرني، وهو ان «ساحة الأمم» وما يجاورها جانب المقاطعة صارت مكباً لأكوام من الركام والانقاض، وشيء آخر لا يحيرني وهو أن منتصف شارع يافا (رام الله - بيتونيا وقرى غرب رام الله) مكب كبير ولكن لبيع التراب الأسمر الخصب من الحفريات الى حدائق البيوت بسعر ١٠٠ شيكل لحمولة سيارة.
* * *
لا أعرف لماذا رفعوا عبارة هي جملة في رثاء محمود درويش لياسر عرفات، وكانت على كتف معشب من أكتاف مسجد التشريفات مدخل الضريح، وأين وضعوها، ولماذا ليس في ضريح ومتحف محمود درويش.
سألت ولم أجد جواباً.. لماذا؟ وكنت أول من أثار الحجر السيئ لضريح عرفات، والحجر الصناعي السيئ لميدان عرفات .. وقد تم اصلاحهما.