إلى أستاذي الدكتور حنا نصر

thumbgen (11).jpg
حجم الخط

بقلم: نبيل عمرو

 

هنالك قاعدة راسخة في فقه إسقاط القلاع، مفادها ان القلاع تسقط من داخلها، وهذا هو حال منظمة التحرير القلعة الفلسطينية الأولى التي بناها الشعب بتضحياته وولائه والتزامه، وحافظ عليها حتى تكرست كوطن معنوي للفلسطينيين رغم أن خصومها الذين حاربوها وحاصروها ووضعوا التشريعات لعزلها وإنهائها كانوا أقوى منها بآلاف المرات، وهل هنالك مقارنة موضوعية بين منظمة التحرير وبين الولايات المتحدة وإسرائيل؟

كلمة سر المنظمة كانت في تكامل عناصر قوتها وتجديد هذه العناصر، وعدم التوقف عن تسليطها وتطويرها، وما كان للمنظمة أن تصمد وتعبر كل المضائق وتنجو من العواصف والانواء، التي واجهت سفينتها منذ تأسيسها لولا اعتمادها على حمايات راسخة تتساوى في الأهمية والتأثير، ولو ضعفت أو غابت واحدة من تلك الحمايات لتقهقرت المنظمة وفقدت الكثير من مصادر قوتها ونفوذها.

الحماية الأولى : الالتزام الشعبي الشامل بها كإطار وطني شرعي أعلى لا بديل عنه ولا موازي له، لم يكن هذا الالتزام مقتصرا على شرائح شعبية معينة بل كان شاملا بكل ما للكلمة من معنى .

كانت منظمة التحرير حاضرة وقوية عند الفلسطينيين حيثما وجدوا في المنافي مع قاعدة ارتكاز قوية وصلبة وعميقة على أرض الوطن، كانت المنظمة ترتبط بجمهورها الواسع بمعادلة حيوية قوامها الشعب يعطي الولاء والالتزام والمنظمة تعطي الإنجاز والامل.

الحماية الثانية: المؤسسات، كانت منظمة التحرير من خلال مؤسساتها القوية والفعالة أقوى من دولة، فمن ينافس المجلس الوطني في ثرائه الديموقراطي والتعددي، ومن ينافس دوائر المنظمة في تغطيتها كل جوانب الحياة لدى الشعب الفلسطيني، كانت دائرة التربية والتعليم تدير شؤون مئات آلآف الطلبة خصوصا أولئك الذين لم تكن وكالة غوث اللاجئين لتهتم بهم، وكانت دائرة الصندوق القومي التي ترأسها لفترة الدكتور حنا ناصر أكثر تنظيما ودقة من أي وزارة مالية في أي دولة، وكانت الخدمات الطبية المدنية والعسكرية وأحد عناوينها البارزة جميعة الهلال الأحمر الفلسطيني، أقوى وأوسع انتشارا من أي وزارة صحة في العالم فلقد أسست مئات العيادات والمستشفيات، ولا يخلو مخيم أو تجمع فلسطيني من مآثرها، وكانت الثقافة الوطنية في أوج ازدهارها في مجال السينما والمسرح وفرق الفنون الشعبية وإنتاج الكتب والدوريات، لم يكن هنالك من منافس لمركز الأبحاث الفلسطيني الذي لفرط أهميته دمرته إسرائيل في اجتياح 1982 لإلغائه كمعلم حضاري وفكري متفوق، وكذلك الإعلام الذي كان الأقوى في العالم العربي والأكثر تأثيرا في العالم رغم ضخامة الاعلام المضاد وامكاناته الضوئية.

كان كل شيء يتصل بالمنظمة ويدار من قبل مؤسساتها هو الأقوى والافعل، ما شكل حائط صد لكل محاولات إضعافها وإنهائها، ولمن لا يزال يتذكر فإن بريجنسكي مستشار الامن القومي الأمريكي قال لها ذات يوم .. وداعا فذهب هو وبقيت المنظمة.

الحماية الثالثة: الكفاءة السياسية داخليا وخارجيا، فقد اثبتت المنظمة أنها أقوى من الانشقاقات والانقسامات حتى لو كانت تلك مدعومة وممولة من قبل دول ذات شأن وتمتلك مالا وفيرا وسلاحا كثيفا وجغرافيا حاسمة، إننا بحاجة الى حاسوب ضخم لمعرفة كم دفع القذافي لتمويل الانشقاقات التي سعى إليها لجعل منظمة التحرير مزقا متفرقة وعاجزة، ألم تقصف بيروت بعشرات آلآف القذائف التي وضعها القذافي بتصرف وكلائه في لبنان وذلك أثناء الاجتياح الإسرائيلي الشامل في العام 1982؟ كان منطقيا أن تخرج المنظمة من بيروت خشية الإجهاز على أحلى المدن العربية من قبل إسرائيل، إلا أن الذي بدا أقرب إلى المعجزة أن المنظمة خرجت من حرب لبنان سياسيا وكيانا وإسراتيجيا وشعبيا أقوى مما كانت عليه، لقد أدارت المنظمة بإتقان وضعها الذاتي وبأتقان أكثر ديبلوماسيتها وعلاقاتها وتحالفاتها ونفاذها الأسطوري من المسامات الضيقة التي وجدتها في جدران حصارها الدائم.

صديقي الذي أحبه كثيرا د.حنا نصر، كتب على قلة ما يكتب في الصحافة مقالة عن الأحرف الأسطورية الثلاثة التي هزت العالم . م. ت. ف. أحببت ما كتب ووافقته على كل ما قال، وأخالني اتفق مع كل العناوين التي أشار اليها خصوصا وهو من الحراس الدائمين للمنظمة والقادة الأساسيين فيها، وما كتبه شجعني على أن أدعوه للتأمل معي ومع الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني ، في سؤال يدور على كل لسان" أين كانت المنظمة وأين هي الآن؟"

واكتفي بجملة قصيرة في هذا المجال، أن أخطر ما تواجهه الاحرف الثلاثة أن لا نجد ما نحميه بها سوى استذكار الماضي.