-خبر-بقلم: ناحوم برنياع
15 آب 2015
هذا الصيف غريب جداً، صاخب، تحدث فيه دراما سياسية كبيرة، دراما قد يكون لها تأثير كبير في حياتنا، لكنها تشغل فقط من يهتمون بالأمر، مجموعة من الموظفين، ورجال الجيش، وسياسيين وصحافيين.
الدبلوماسيون يرسلون البرقيات إلى عواصمهم، ويعترفون فيها أنه ليس لهم تفسير لما يحدث.
"كل يوم أستيقظ مع شعور بأنه لن يكون ثمة أصعب من ذلك"، قال أحد الأشخاص الذين يتابعون الأزمة من قريب: "كل يوم أفاجأ من جديد".
أثار الاتفاق النووي مع إيران مخاوف كبيرة في اسرائيل، ويفهم العالم كله ذلك، والسؤال هو كيف ستواجه اسرائيل هذه المخاوف؟ ما الذي تريد تحقيقه في الحرب التي تديرها ضد نظام اوباما؟ ما هي خطتها في حال وافق الكونغرس على الفيتو الرئاسي وتمت المصادقة على الاتفاق؟ ما هي خطة اسرائيل في حال هزمت الأغلبية في الكونغرس الرئيس واضطرت أميركا إلى الانسحاب من الاتفاق؟ هل هناك أحد ما في القدس وفي تل أبيب يقوم بعمل حساب للتكلفة والفائدة؟ هل يفكر أحد باليوم التالي؟
انطباع واشنطن
تتابع الإدارة الأميركية من واشنطن ما يحدث هنا وتثير انطباعها النقاط التالية:
- في هذه النقطة من الأزمة لا يوجد لإسرائيل مجلس وزاري مصغر، لا توجد لها حكومة، لا يوجد لها جهاز أمن، لا توجد لها كنيست، لا توجد لها وسائل إعلام حرة.
كل شيء يتم حسب رغبة شخص واحد هو بنيامين نتنياهو، قدم الجيش استشارة حول الاتفاق ومغزاه، كانت هذه الاستشارة متوازنة – تحلل مساوئ الاتفاق وفوائده.
لم يقم أحد بتأخير صعود الاستشارة إلى فوق – وزراء المجلس الوزاري المصغر يعرفون عنها، ويعرفون أيضا ما الذي يعتقده رئيس الاستخبارات العسكرية وما الذي يفكر فيه رئيس الأركان، إن كان هناك فرق بين استنتاجاتهم وبين استنتاجات رئيس الحكومة.
لم يحدث نقاش حقيقي في المجلس الوزاري المصغر حول اليوم التالي لقرار الكونغرس الأميركي.
- إسرائيل مستعدة لاستثمار الكثير من اجل اعادة الخيار العسكري إلى الصورة.
هدد وزير الدفاع يعلون، الأسبوع الماضي، في وسائل الإعلام بأن اسرائيل ستعود إلى التصفيات المركزة لعلماء الذرة الإيرانيين.
كان هذا غريبا، لأن اسرائيل لم تهدد في السابق بشكل علني في وسائل الإعلام، وحسب مصادر أجنبية فقد قامت بالتصفيات سرا.
لم يكن هذا التصريح موجها لطهران بل لواشنطن، وكانت هناك إجراءات اخرى أكثر لمساً.
من المهم لإسرائيل خلق الانطباع في واشنطن بأن الموافقة على الاتفاق في الكونغرس ستولد الحرب.
- بخلاف دول الخليج، التي تعارض الاتفاق، وفي المقابل تتفاوض مع الإدارة حول أمنها في اليوم التالي، فإن الأجهزة في اسرائيل وبأمر من نتنياهو توقفت عن التعاون مع الإدارة الأميركية.
كان يفترض أن تبدأ في لوزان المحادثات حول التفاهمات بين الدولتين، وهي إطار من المفروض أن يمتد لعشر سنوات ويحدد المبادئ المتعلقة بالمساعدات الأمنية.
من المهم لـ "جهاز الأمن" الإسرائيلي معرفة ما هو متوقع، رغم أنه لا توجد محادثات ولا توجد اتصالات حول التعويض الذي ستحصل عليه اسرائيل بسبب الاتفاق مع إيران وبسبب الامتيازات الأمنية الجديدة لدول الخليج.
- تقتنع الإدارة الأميركية بأنها موجودة في جبهة واحدة مع اسرائيل في مواجهة الإرهاب الإسلامي، ويشمل ذلك المساعدة التي تقدمها إيران لـ "حزب الله" و"حماس"، والإدارة مستعدة لتعميق التعاون.
إسرائيل لا توافق على نقاش هذه المواضيع في المستوى السياسي، وعندما سافر وزير الخارجية الأميركية كيري إلى دول الخليج، مؤخراً، للتباحث في اليوم التالي، تجاوز إسرائيل.
في السابق كان تجاهل اسرائيل يثير الغضب، ولكن في هذه المرة قال نتنياهو: "حقاً، ليست هناك حاجة لأن يأتي".
- الصراع في الكونغرس الأميركي مهم بالنسبة لنتنياهو لدرجة أنه مستعد لخلق الانقسام في الجالية اليهودية وتحويل "الأيباك" إلى لوبي أحادي الحزبية.
أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس يتمزقون بين ولائهم للرئيس وحزبهم وبين خشيتهم من ضياع الناخبين والمتبرعين اليهود.
كل الديمقراطيين، الذين أعلنوا حتى الآن أنهم سيصوتون ضد الاتفاق، هم من اليهود: تشاك شومر، آليوت انجل، نيتا لوي – من نيويورك، ويهود من ولايات اخرى يترددون بين الخشية من اتهامهم بازدواجية الولاء، أولاً لإسرائيل وبعد ذلك للولايات المتحدة، وبين ادعاء الناخبين اليهود بأنهم يضحون بإسرائيل من اجل مصالحهم الشخصية.
- نجح نتنياهو في إقناع عدد كبير من اليهود بأن الاتفاق كارثة، كيف صمتنا وتركنا الإدارة الأميركية تغض الطرف عن معسكرات الإبادة، هذه الأسئلة عادت وظهرت.
تصريحات خامنئي وصرخات الجمهور الكبير في طهران تعزز هذا الشعور، والتسليم من اوباما وكيري لهذه التصريحات يعزز الشعور بالخيانة.
- يتنقل سفير اسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، حسب الوصف الأميركي من غرفة إلى غرفة في الكونغرس، ومن مكتب إلى مكتب، في محاولة لإقناع أعضاء الكونغرس معارضة الرئيس.
فحسب رأيهم هذا تدخل في الشؤون الداخلية لدولة اخرى، وإدخال لليد في جيب الحليف.
يمكننا تخيل ماذا كانوا سيقولون هنا لو أن السفير الأميركي يقوم بتحريض أعضاء في "الليكود" على التصويت ضد نتنياهو.
كانت الإدارة الأميركية ستستصعب تجاوز هذا التصرف بعد مرور الأزمة؛ واوباما لن يغفر.
- الصراع هو على 60 نائباً ديمقراطياً في الكونغرس، وهم النخبة المستهدفة وليس وسائل الإعلام أو الرأي العام الإسرائيلي.
سيفعل اوباما كل شيء من اجل إقناعهم، وخطابه في "أميركان يونايتد"، الذي خُصص في معظمه للجدال مع نتنياهو، أثار الاستغراب.
كل رئيس حكومة في العالم من بلغاريا وحتى الهند سأل نفسه لماذا حظي رئيس حكومة اسرائيل بهذا التقدم، لكن أوباما اهتم فقط بصدى خطابه في الكونغرس.
- في نهاية المطاف سيخسر نتنياهو: لن تكون هناك أصوات كافية للتغلب على الفيتو، لكنه يستطيع تسجيل انتصار أخلاقي.
بعد التصويت الأول سيُقال: الشعب الأميركي قال كلمته، أغلبية الشعب ضد الاتفاق مع إيران، وهو يستطيع ادعاء الانتصار في هذا السياق، لكن الاتفاق سيوقع.
وإذا أخلت به إيران سيقول: "أنا أول من حذر"، وإذا التزمت به فسيقول "هذا بفضل موقفي". نتنياهو قد يربح أما اسرائيل فستخسر.
مواطن قلق
في أيلول 2002 قرر رئيس الحكومة السابق، المواطن القلق بنيامين نتنياهو، إنقاذ العالم من عدو لا مثيل له، وقد اختار المنصة المناسبة: الكونغرس الأميركي، شهادته أمام اللجنة الثانوية في مجلس النواب وثقت ونشرت في الإنترنت، مدتها 43 دقيقة. أقترح مشاهدة الفيلم في "غوغل"، والنتيجة ستبرر الجهد.
تردد أعضاء الكونغرس في حينه بين تأييد الدخول الأميركي إلى العراق أو معارضته، وكان الموضوع النووي في لب الجدل: هل عراق صدام حسين يطور سلاح الإبادة الشاملة؟
أراد نتنياهو أن يضع ثقله وثقل الدولة في حملة الجمهوريين المؤيدة للحرب.
تحدث نتنياهو في الجلسة، في حين كان من ورائه المواطن القلق، رون ديرمر، الآن هو سفير اسرائيل في واشنطن.
المشاهد الفضولي سيتوقف لحظة أمام المظهر الخارجي لنتنياهو، في حينه والآن أيضا يتبين أن مظهره قد تحسن على مدى السنين، فقد أصبح جلده أكثر سماكة، وثقته بالنفس ازدادت، وعودته إلى الحكم كانت في صالحه. وما دون ذلك مفرح أقل. إليكم عدداً من الاقتباسات: "لا شك أن صدام حسين يعمل على تطوير السلاح النووي"، قال نتنياهو، "لا شك أنه عندما يملك السلاح النووي فسيستخدمه، وعندما يكون عنده سلاح نووي فسيكون لدى شبكة الإرهاب العالمي سلاح نووي".
سأل رئيس اللجنة، عضو الكونغرس جون تيرني، نتنياهو إذا كان دور للعراق في هجمات 11 أيلول.
"السؤال هو"، أجاب نتنياهو، "ليس دور العراق في هجمات 11 أيلول، بل هو كيف نمنع 11 أيلول القادم".
الدخول إلى العراق، كما قال نتنياهو، أنقذ العالم ليس فقط من العراق، بل أنقذه من إيران، والسؤال العملي كما قال هو "كيف يمكن تحقيق تغيير النظام في إيران، فإيران لديها ما ليس لدى العراق: في ايران جهات داخلية تعارض النظام، المجتمع العراقي الأكثر انغلاقا في المنطقة والمجتمع الإيراني هو الأكثر انفتاحا.
"إذا قضيتم على صدام ونظامه فأضمن لكم أن هذا سيكون له صدى إيجابي في كل المنطقة.
الشباب في إيران سيقولون: لقد انتهى عصر هذه الأنظمة والأنظمة القمعية ستختفي.
"في العام 1986 قمت بتأليف كتاب عن الحرب ضد الإرهاب، وأشرت فيه إلى أن طريقة معالجة النظام الإرهابي هي استخدام القوة بسرعة كبيرة. وقالوا لنا إنه إذا دخلت الولايات المتحدة إلى أفغانستان فسيدخل الكثير من المخربين الغاضبين بسبب الدخول الأميركي، وستحدث ثورة مضادة، وما حدث هو العكس.
"استخدام القوة هو المبدأ الأساسي في تحقيق الانتصار على الإرهاب: الانتصار، الانتصار، الانتصار. الانتصار في أفغانستان سيضمن الانتصار في العراق؛ والانتصار في العراق سيساعد على الانتصار في إيران".
سننتقل الآن إلى الحقائق كما هي اليوم: لم يكن لدى صدام سلاح نووي، ولم يكن في طريقه إليه؛ لم يكن له أي دور في عمليات 11 أيلول – إرهابه كان موجها للداخل؛ الحرب التي نشبت في آذار 2003 استمرت تسع سنوات وخلفت وراءها 100 ألف قتيل عراقي و4800 قتيل من قوات التحالف، معظمهم من الأميركيين؛ دمرت الحرب العراق وحولت جزءا منه للإيرانيين، وبدل سقوط نظام آيات الله فقد تقوى، وخففت على إيران في موضوع البرنامج النووي وأدخلت إلى المنطقة الكثير من الإرهابيين مثل "داعش" و"القاعدة"؛ ولم تنتقل الولايات المتحدة من انتصار إلى انتصار بل من فشل إلى فشل.
هناك الآن القليل من الأميركيين المستعدين للدفاع عن تلك الحرب، حتى جيب بوش، شقيق الرئيس الذي دخل الحرب، يعترف بحجم الخطأ.
اعتقاد أنه يمكن فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط بالقوة العسكرية، وأن القضاء على نظام قمعي سيؤدي إلى القضاء على نظام قمعي آخر، كان أمنية في أحسن الحالات وخدعة تسويقية في أسوأ الحالات، وقد ظهر خطأ ذلك على أرض الواقع.
لم يدفع الجيش الإسرائيلي حكومة بوش للحرب في العراق. بوغي يعلون الذي كان رئيس هيئة الأركان في حينه، قال لي إن الجيش الإسرائيلي لا يدفع باتجاه الحرب وهو لا يريدها، لكن خطابات نتنياهو وحملة المحافظين الجدد الذين يؤيدون اسرائيل الذين في معظمهم من اليهود، خلقت الانطباع بأن اسرائيل تريد الحرب.
الآن في ظل محاولات نتنياهو إقناع الكونغرس بإفشال الاتفاق مع إيران، فإن خطابه في ذلك الحين يرتد إليه كالسهم.
وزير الخارجية الأميركي كيري ذكر خطاب نتنياهو عن العراق مرة واحدة، فهو لا يستطيع الاستخفاف بنتنياهو لأنه مع زملائه من اليمين واليسار أيدوا الحرب، والمسؤولية عن الكارثة هي مسؤوليتهم وليس مسؤولية الشاهد المختص من اسرائيل.
التقديرات السياسية ليست علما دقيقا، وكذلك التقديرات العسكرية، لا يمكن رفض تقديرات نتنياهو عن ايران فقط بسبب خطأه أو خطأ تقديراته فيما يتعلق بالعراق، ولكن يمكن التساؤل عن هذا اليقين الذي لا مجال فيه للشك.
القليل من التواضع لن يضر نتنياهو، لا في حينه ولا في هذه الأثناء، وفي المقابل يمكن تقدير نتنياهو على أنه رئيس حكومة لم يطبق أي اقتراح من الاقتراحات التي منحها بسخاء للأميركيين.
لم يبادر إلى الحرب ولم يسارع للقصف، لقد اقترح على الأميركيين احتلال العراق: في اسرائيل يحذر من احتلال غزة؛ كان هدفه وما زال التوصل إلى التهدئة مع "حماس" و"حزب الله"؛ الردع؛ البناء سراً؛ التعايش مع "الإرهاب" وعدم القضاء عليه.
عن "يديعوت"