هدم المقدسيين لبيوتهم بأيديهم قمة الإذلال!!

images.jpg
حجم الخط

بقلم: راسم عبيدات

 

كل يوم يبتكر الاحتلال وبلديته وداخليته أسلوباً جديداً للتنكيل بالمقدسيين ومصادرة حقوقهم في السكن والتعليم والبناء وملاحقتهم في تفاصيل حياتهم اليومية وكأن الشغل الشاغل لبلدية الاحتلال وداخليتها، فقط إبتداع الأشكال والأساليب المتطورة للتنكيل بهم، وغالباً ما يتم الإعلان عن ميزانيات ضخمة للبنية التحتية وتحسين الخدمات في القدس الشرقية من قبل بلدية الإحتلال، والتي يجبر سكانها على دفع الضرائب للاحتلال وفي المقدمة منها ضريبة المسقفات، " الأرنونا" ، حيث يدفع المقدسيون ما مجموعه من 28 - 30% من قيمة الضرائب التي تجبى من سكان القدس، ويتلقون خدمات لا تزيد عن 6 -8% وبقية أموالهم تذهب لـ"تسمين" الاستيطان وتحسين البنية التحتية والخدماتية في القسم الغربي من المدينة.

وتبقى الميزانيات الضخمة المعلن عنها مجرد انشطة اعلامية وعلاقات عامة، حيث الشوارع ليس فقط مهملة وبدون ارصفة وإشارات مرور وخطوط مشاة وأعمدة إنارة، بل يتعدى ذلك الى انه لا يجري لها أي شكل من أشكال الصيانة ان وجدت، وأزمات المرور لا يجري التفكير بأي حل لها، ولم يبن أي جسر ولم يفتتح شارع جديد،ولا إضافة مسارب جديدة للشوارع تقلل من هذه الأزمات، بل على سبيل المثال من منطقة دوار رأس العامود تزداد الأزمة بشكل كبير جداً، حيث أصبحت كل المنطقة الممتدة من باب الأسباط وحتى الدوار مصفاً لباصات السياحة القادمة الى كنيسة الجسمانية، وبما يضيق من سعة الشارع الضيق أصلاً.

معظم البلدات الفلسطينية المقدسية بدون مخططات هيكلية وأغلب اراضيها مصنفة خضراء او مفتوحة او خدمات عامة، والحصول على تراخيص البناء معقد جداً وكل يوم يضاف له شروط وتعقيدات جديدة وتكاليف جديدة، وعندما يضطر المواطن المقدسي للبناء غير المرخص بسبب هذه التعقيدات، إذا لم يصدر امر إداري بحقه في الهدم، فإنه يغرّم اكثر من مرة وبمبالغ خيالية تفوق قدرته، وتستمر رحلته ومعاناته في دهاليز وأروقة بلدية الاحتلال لمدة تصل الى 15 عاماً للحصول على التراخيص ولكن دون جدوى، وبعد كل الخسائر والتكاليف، تقوم بلدوزرات وجرافات وشرطة الاحتلال بهدم بيته، وحتى يحسن الاحتلال من صورته أمام العالم المسمى بالحر زوراً وبهتاناً، والذي قد يتسبب منظر البلدوزرات وجرافات الاحتلال وهي تهدم بيوت المقدسيين وتعتدي على أصحابها وتتركهم في العراء بين السماء والطارق في تشويه سمعة الإحتلال، فقد تفتقت عقليته عن أسلوب جديد من أجل إذلال المقدسيين وامتهان كرامتهم ووالتسبب بقهر داخلي لديهم، هذا القهر لن يبقى مكتوماً الى الأبد، والذي سينفجر يوما.

هذا الأسلوب هو إجبار المقدسيين على هدم منازلهم بأيدهم، ومع كل ضربة شاكوش او مطرقة او حفرة "كونغو"، يشعر المقدسي بأن روحه تخرج من جسده، ويعيش مشاعر مختلطة ويشعر بحالة عجز كلي، فهو واقع بين نارين ما يتسبب به الهدم الذاتي له من أثار نفسية وتداعيات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن هدم بيت، دفع فيه كل شقاء عمره، وربما باع حلي ومجوهرات زوجته وسحب كل مدخراته، او استدان او حصل على قرض بنكي، من اجل ان يجد له مكاناً في قدسه وقريته، وبين أن يرفض قرار بلدية الإحتلال ويتمرد عليه، وبالتالي تقوم بلدوزرات الاحتلال وجرافاته وشرطته بهدم البيت،والزامه بعد كل هذا الخراب بدفع تكاليف عمليات الهدم بما في ذلك تكاليف الشرطة وخيالتها التي حمت ووفرت الأمن للمعدات والآلات التي تقوم بعملية الهدم والتنكيل بعائلته وأسرته.

فالمحتل وفق القانون الدولي، ملزم بتوفير الخدمات والحياة الكريمة للسكان واحترام حقوقهم، ولكن القانون الدولي يجري "تعهيره" وهناك ازدواجية وانتقائية في تطبيقه، وهناك دول مثل أمريكا وأوروبا الغربية، جعلت من دولة الاحتلال، دولة فوق القانون الدولي، تبرر لها أي خرق او خروج عن هذا القانون، وتقف في وجه أي قرارات او عقوبات قد تتخذ ضدها او تفرض عليها في المؤسسات الدولية، وليصل الأمر حد قول مندوبة امريكا السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي العنصرية اليمينية المتطرفة والمتصهينة، بأن عهد تقريع اسرائيل في الأمم المتحدة ومؤسساتها قد ولى، وإنها ستضرب بحذائها ذي الكعب العالي، كل من يقول بانتقاد اسرائيل او يطالب بفرض عقوبات عليها، وأبعد من ذلك ذهبت أمريكا الى الإنسحاب من المؤسسات الدولية واوقفت مساهماتها المالية فيها مثل " اليونسكو" وغيرها لكونها أدانت اسرائيل واتخذت قرارات بحقها جراء ما تقوم به من انتهاكات للقانون الدولي بحق المقدسات والأثار والأماكن الأثرية والتراثية الفلسطينية في القدس والخليل وبيت لحم وغيرها من المناطق الفلسطينية.

المقدسي ليس فقط مهدد بحقه في السكن، حيث هدم في العام الماضي ما مجموعه (153) بيتا ومنشأة تجارية وصناعية وورش وأسوار وبركسات وغيرها، ووزعت مئات الإخطارات بالهدم على سكان المدينة، عدا أوامر الهدم الإداري، ومنذ بداية العام الحالي ،اجبر خمسة عشر مقدسياً على هدم منازلهم بأيدهم، والحبل على الجرار، وهذا المسلسل يتصاعد ويتكثف، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فحتى حق المواطن المقدسي في العبادة والصلاة في المسجد الأقصى أصبح مهدداً، حيث أبعد في العام الماضي 176 مقدسيا عن الأقصى، لمدد تصل الى ستة شهور، ومنذ بداية العام الحالي وصل عدد المبعدين عن الأقصى الى ما يزيد عن 120 مواطناً بينهم (14) من حراس المسجد الأقصى ورئيس مجلس الأوقاف الشيخ عبد العظيم سلهب وعضوا المجلس حاتم عبد القادر ومهدي عبد الهادي، والعدد مرشح كل يوم للزيادة، والحجج إعاقة الجماعات التلمودية والتوراتية من أداء صلواتها وطقوسها وتعاويذها التلمودية والتوراتية في ساحات المسجد الأقصى. والزيادة الكبيرة في العدد نتجت عن أزمة باب الرحمة، الذي كان الاحتلال وشرطته يغلقون مصلاه وساحاته بغير وجه حق منذ عام 2003، لأمر مؤقت صدر بحق لجنة التراث التي كانت تستخدم المكان،والإحتلال استغل هذا القرار او الأمر،لكي يغلق ساحات باب الرحمة والمصلى الخاص به لمدة ستة عشر عاماً،حيث كان الهدف من ذلك السيطرة على باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة المستولى على جزء منها، وتحويل ذلك الى كنيس يهودي يفرض تغييراً في الوضع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى، وبما يقسمه مكانياً، ولكن الموقف الشعبي والاتصالات السياسية ودور مجلس الأوقاف وبطلان الحجج القانونية التي أثبت طاقم المحامين المدافعين عن الأقصى، عدم وجود أي قرار قضائي بإغلاق مصلى باب الرحمة وساحاته، أفشل مخطط الاحتلال للتقسيم المكاني،ولكن نحن ندرك بأن المحتل لن يتوقف عن مخططاته باستهداف الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية. ولعل الإبعادات بحق حراس المسجد الأقصى وعدد من أعضاء مجلس الأوقاف الجديد بما فيهم رئيس المجلس الشيخ عبد العظيم سلهب الهدف منه بث الرعب والخوف بين صفوف الحراس ورجال الدين بالإضافة للضغط على مجلس الأوقاف والحكومة الأردنية المسؤولة عن الوصاية على المسجد الأقصى للموافقة على إغلاق مصلى باب الرحمة وساحاته مقابل وقف سياسة الاعتقال والإبعاد عن الأقصى .

الحرب الشاملة على المقدسيين، بشرا وحجرا وشجرا، مستمرة ومتواصلة وتشارك فيها كل أجهزة الاحتلال الأمنية والمدنية والشرطية والقضائية، يضاف الى ذلك بلدية الاحتلال ووزارة داخليتها والجمعيات الإستيطانية من "العاد" و"عطرات كوهونيم" وما يسمى "سلطة تطوير القدس" ودائرة الأثار وغيرها. والمعركة على الحجر والتي أخذت شكلاً غير مسبوق بإجبار المقدسيين على هدم بيوتهم بأيديهم، يجب العمل على مجابهتها قانونياً وعبر القانون الدولي والتوجه للمؤسسات الدولية، لأن مثل هذه الأعمال ترتقي الى جرائم حرب،والاحتجاجات الشعبية والسلمية، والتي تجبر الاحتلال على إقرار المخططات الهيكلية وتوسيعها للقرى والبلدات المقدسية وزيادة نسبة البناء، وتخفيض رسوم التراخيص وتكاليفها، وتحويل الأراضي التي تجري مصادرتها تحت ذريعة المصلحة العامة لخدمة السكان وليس من أجل خدمة بناء المزيد من المستوطنات.

ويجب دعوة الإتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية للقيام بدور فاعل في هذا الاتجاه للجم ووقف الاحتلال عن مشاريعه ومخططاته المستهدفة التطهير العرقي بحق المواطنين الفلسطينيين المقدسيين، وليس فقط الإكتفاء بدور المراقب والمصدر لبيانات شجب واستنكار خجولة مل شعبنا منها.