«صفقة القرن»: احتمالات الفشل والتعاطي المطلوب

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

أشرف العجرمي

هناك ما يشبه الإجماع إقليمياً ودولياً على أن "صفقة القرن" التي ستطرحها الإدارة الأميركية بعيد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في التاسع من الشهر القادم سيكون مآلها الفشل، على الرغم من عدم وضوح معالمها بصورة محددة وتفصيلية، وأن كل ما نشر حولها هو تسريبات وربما تكهنات غير موثوقة. ومن المؤكد أن القيادة الفلسطينية سترفض العرض الأميركي إذا كان لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194 والمبادرة العربية للسلام، مع بعض المرونة في موضوع تبادل الأراضي بنسب محدودة وما شابه. وهذا الرفض الفلسطيني المتوقع هو الذي سيحسم مصير الصفقة الأميركية، حيث أن الدول العربية التي تراهن عليها واشنطن للضغط على الفلسطينيين لقبول الخطة الأميركية قالت بشكل واضح أنها لا تستطيع قبول أي شيء لا يوافق عليه الفلسطينيون. وهذه الدول لا يمكنها أن تتحمل وزر التخلي عن القضية الفلسطينية أو أن تكون في مربع خيانة قضية العرب الأولى. وربما يشكل موقف المملكة العربية السعودية كان الأوضح في رفض فكرة التساوق العربي مع "صفقة القرن" بدون موافقة القيادة الفلسطينية. وهذا الموقف تم التأكيد عليه في القمة العربية الأوروبية وأيضاً في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي الذي رفض بيانه الختامي ليس فقط صفقة القرن بل محاولات التطبيع مع إسرائيل، بل وأكد على أن أميركا منحازة لإسرائيل وهي ليست وسيطاً نزيهاً.
في الواقع، حتى بعض الأوساط الأميركية ترى مصيراً قاتماً للمبادرة، فعلى سبيل المثال يرى مبعوث السلام السابق دينيس روس والذي يعمل الآن مستشاراً في معهد واشنطن وعلى صلة بالإدارة الأميركية، في مقابلة له في الثاني من آذار الحالي، أن خطة ترامب ستفشل إذا لم تلب التطلعات القومية للشعب الفلسطيني وخاصة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها "أجزاء من القدس الشرقية"، وأنه إذا رفضها الفلسطينيون سيرفضها العرب. وهذا بالمناسبة هو موقف أطراف عديدة في أوروبا والعالم، وكذلك في إسرائيل. بمعنى أن الصفقة الأميركية ستولد ميتة إذا لم تشمل ما يرضي الشعب الفلسطيني، وفي هذه الحالة لن تكون مقبولة على إسرائيل.
نحن لا نعرف بالضبط كيف سيكون شكل وتركيبة وبرنامج الحكومة الإسرائيلية القادمة، وهل ستكون برئاسة بنيامين نتنياهو الذي تضعضعت صورة ائتلافه قليلاً بعد قرار المستشار القضائي للحكومة تقديم لائحة له في ثلاث قضايا فساد، ولكن على ما يبدو ستطرح الإدارة الأميركية مشروعها للسلام بعد الانتخابات بغض النظر عمن سيفوز في إسرائيل، فلو شكل المعارضون لنتنياهو حكومة برئاسة بيني غانتس ربما يكون ذلك اسهل على إدارة ترامب خلق تعاط عملي مع هذا المشروع وربما ايضاً الذهاب نحو مفاوضات سياسية فلسطينية إسرائيلية. ولكن لو عاد نتنياهو فهو سيجد صعوبة حقيقية في ابتلاع "الصفقة" الأميركية إذا تحدثت عن انسحاب إسرائيلي من مناطق واسعة من الضفة الغربية حتى لو كانت أقل بكثير مما يقبله الفلسطينيون، فاليمين الإسرائيلي يرفض فكرة أي انسحاب من الضفة بل إن المشروع اليميني الاستيطاني الجديد يقضي بوضع مليوني يهودي في الضفة الغربية لقتل فكرة الانسحاب والدولة الفلسطينية المستقلة. ولكن سيكون صعباً على نتنياهو أو أي رئيس حكومة قادم أن يقول لا لترامب الذي قدم لإسرائيل دعماً سياسياً غير مسبوق في المحافل الدولية وغطى على كل جرائم إسرائيل وحاول شرعنة استيطانها واحتلالها وضمها للقدس. ولهذا على الأغلب ستحاول إسرائيل الاختباء خلف الرفض الفلسطيني للخطة الأميركية.
علينا أن نتمتع بذكاء سياسي ودبلوماسي في تخريج وتسريق الرفض الفلسطيني للمشروع الأميركي إذا كان لا يلبي المطالب والحقوق العادلة لشعبنا المتفق عليها فلسطينياً وعربياً ودولياً، وعلينا أن نتعلم من تجربة فشل قمة كامب ديفيد في عام 2000، عندما رفضنا ما عرضه رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إيهود باراك لم نستطع تسويغ أو تسويق ما حدث، وأصبحنا ملومين على مستوى الرأي العام الإسرائيلي والدولي وأمام الولايات المتحدة التي اتهمتنا بإفشال جهودها. وليس معنى هذا على الإطلاق أن نقبل أو نتساوق مع ما يمكن أن يطرحه الأميركيون إذا كان غير مقبول علينا، بل علينا إيجاد طريقة لطرح موقفنا بحيث يبدو إيجابياً حتى في رفضهن والبدء منذ الآن باعتماد خطاب سياسي إعلامي لا يقوم على الأبيض والأسود، من قبيل تحديد ماذا نريد أن نرى في الخطة الأميركية لتكون مقبولة ونتعاطى معها بإيجابية بدلاً من الرفض المتكرر لصفقة لم نر منها شيئاً ولا نعرف تفاصيلها. كما أنه من المفيد أن نحضر موقفاً لساعة طرح الصفقة يرتكز على ماذا نرفض فيها وماذا نطلب ليكون فيها. حتى تضطر إسرائيل الى تحديد موقفها من الصفقة بشكل تفصيلي وتكون في مواجهة مع كل من يحاول التقدم في العملية السياسية حتى لو كان على حساب حقوقنا وخاصة صديقتها أميركا. ويجب هنا ألا نسمح لإسرائيل بالتهرب أو الاختباء خلف الرفض الفلسطيني، وليعلم العالم أن حكومة إسرائيل لا تريد السلام ولا تريد دفع أي ثمن حتى لو جزئياً وأقل مما يمكن لنا أن نقبله. ولتكن الصفقة مرفوضة من الطرفين ولكل طرف ملاحظات عليها.