يسعى الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله أرض فلسطين عام 1948، إلى تكريس مختلف إمكانياته وقدراته الاستراتيجية والعلمية، للسيطرة على الإعلام الفلسطيني وتحويل الكثير من مضامينه لصالح افتراءاته وأكاذيبه، من خلال اختلاق مصطلحات ذات ازدواجية في معناها ومغزاها، لتدعم روايته وتاريخه الزائف.
ومن بين هذه المصطلحات كلمة "إسرائيل"، وذلك على الرغم من رفض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية لسنوات طويلة استخدامها في التعبير عن الكيان الغاصب، حيث كانت تستخدم بدلاً منها كلمة العدو أو الكيان الصهيوني، أو تضعها على الأقل بين علامات تنصيص، فيما أصبحت الآن تلك الكلمة منتشرة ودارجة في كثير من وسائل الإعلام.
وأيضاً مصطلح "الضفة الغربية، والقدس"، بات منتشراً في بعض وسائل الإعلام، فمن المعروف أنّ شرقي القدس هو جزء من الضفة الغربية ولكن الاحتلال الإسرائيلي أراد من وراء ترويج هذا المصطلح تعزيز الفصل بينهما.
أما المصطلح الأخطر والذي يتردد بكثرة هو "عرب إسرائيل"، والتي يسعى من مرائها الاحتلال إلى جعل الفلسطيني داخل منطقة 1948 مجرد جماعة تقيم في "إسرائيل" بدون أي حقوق قومية لها.
وقد يسعد البعض بمصطلح "المثقفون الفلسطينيون"، إلا أنّ خبث هذا المصطلح يكمن في أنّ الشعب الفلسطيني شعب غير متعلم كباقي شعوب العالم النامي، وأنّ المتعلمين عبارة عن فئة صغيرة جداً.
وأيضاً كثير من المصطلحات يحاول الاحتلال الإسرائيلي تسريبها عبر وسائل الإعلام العربية والفلسطينية والعالمية، مثل "جيش الدفاع الإسرائيلي" و"الحكومة الإسرائيلية" و"السلطات الإسرائيلية" وغيرها.
انتشار هذه المصطلحات في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية يستدعي وقفة جادة لبحث أسباب انتشارها والمسؤول عن استخدامها، وسبل الحد منها.
نائب نقيب الصحفيين تحسين الأسطل، أوضح أنّ ميثاق الشرف الصحفي الذي وضعته النقابة، ينص على إلزام وسائل الإعلام بالابتعاد عن المصطلحات الإسرائيلية التي تُجسد وجهة نظر الاحتلال، مُؤكّداً على أنّ القضية الفلسطينية هي قضية هوية وشعب، ومرتبطة بمصطلحات تؤكد على حقوقه.
ودعا الأسطل، الصحفيين الفلسطينيين إلى مراجعة المصطلحات الإسرائيلية المستخدمة في الأجندة الإعلامية اليومية، مُشيراً إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يتعمد من خلال عدة مؤسسات إسرائيلية تسريب بعض المصطلحات التي تدعم مخططاته.
وبيّن أنّ النقابة نظمت العديد من ورشات العمل حول هذا الموضوع، ووضعت قاموس بالمسميات الوطنية سابقاً، وذلك مع بداية قدوم السلطة الفلسطينية، موضحاً أنّ المسؤول عن تسريب تلك المصطلحات الإسرائيلية إلى إعلامنا هي المصادر الإسرائيلية، وبعض الصحفيين الجُدد الذين ليس لديهم خبرة.
وكشف أنّ نقابة الصحفيين تُحاول مراجعة بعض المصطلحات الخاطئة، بهدف التأكيد على ضرورة استخدام كلمات فلسطينية.
من جهته، قال المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور: إنّ "حالة الانقسام التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني والحزبية وضعف إدارته، جعلت من السهل خضوعه لخطط الاحتلال الإسرائيلي التي يصيغها كبار السياسيين وعلماء الاجتماع، وذلك عبر مجموعة من المصطلحات التي تخدم مشاريع دولته المزعومة ويبرر ممارساتها".
وتابع: "الاحتلال الإسرائيلي ما زال يحاول الترويج لمصطلحاته وإدخالها إلى الإعلام الفلسطيني بكافة الطرق لاستقطاب الدعم العربي والعالمي"، مُبيّناً أنّه من الصعب مواجهة هذا الغزو في ظل حالة الضعف الراهنة، عدا عن عدم وجود استراتيجية واضحة في التعامل معها.
ولفت إلى أنّ الكثير من المواقع الإخبارية والسياسية الناطقة باللغة العربية، تُديرها أجهزة الشاباك وإعلاميين إسرائيليين، يتم من خلالها نقل محتوياتها على إعلامنا دون وعي بكمية الأهداف المبطنة للقائمين عليها.
وفي ختام حديثه، شدّد منصور، على أنّ الإعلام الفلسطيني يحتاج إلى خطاب موحد ومؤسسات إعلامية موحدة قائمة على منهجية واضحة تُمكنها من التعامل الصحيح مع المصطلحات الإسرائيلية الدخيلة، من خلال نشرات توعوية بخطورتها، وأيضاً إدراجها في مساقات دراسة الصحافة في الجامعات الفلسطينية.
الصحفي الفلسطيني يوسف أبو مغصيب، أوضح أنّه لا يتعامل مع المصطلحات التي يسوقها الاحتلال الإسرائيلي من خلال إعلامه، والتي تستخدم عبر وسائل الإعلام والصحفيين الجدد والنشطاء الفلسطينيين المتابعين للإعلام العبري، بنابع جهل منهم حول دلائل استخدامها.
وأضاف: "على سبيل المثال استخدام الإعلام العبري مصطلح جيش الدفاع الإسرائيلي يعنى به حق الوجود على الأراضي الإسرائيلية، في حين يختلف مع مفاهيم الشعب الفلسطيني، بوصفه جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يؤكد أنهم مغتصبين للأراضي الفلسطينية".
وأشار أبو مغصيب، إلى أنّ المؤسسة الإعلامية المحلية التابع لها، تُخضع كل ما ينتجه الصحفيين العامليين بها للرقابة من قبل حارس البوابة الذى يمنع تسريب كل ما يخالف ميثاق الشرف الصحفي والسياسة التحريرية للمؤسسة.