الانتخابات الإسرائيلية: تجاهل كامل لمشروع السلام

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

أشرف العجرمي

بنظرة سريعة على الموضوع السياسي في برامج الأحزاب الإسرائيلية يمكن الوصول إلى استنتاج واضح بأن حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس على أجندة هذه الأحزاب باستثناء حركة "ميرتس" والأحزاب العربية. بل إن هناك محاولة جلية من أحزاب الوسط للتهرب من الحديث الصريح عن مواقف محددة بشأن هذا الموضوع خوفاً من أن تتهم باليسارية أو تصيبها "لعنة السلام"، حيث بات من الملاحظ أن الاتهامات تنصب على مدى يسارية أي حزب أو حركة أو قائمة مرشحة للانتخابات، فمن يتهم باليسارية عليه أن يثبت أنه يميني وربما متطرف لدحض التهمة عن نفسه. وفقط اليمين واليمين المتطرف هما من يملك تصورات واضحة للتعامل مع الملف الفلسطيني. 
المنافس الرئيس لحزب "الليكود"، وهو ائتلاف "أزرق أبيض "تقدم ببرنامج سياسي غامض ولا يبشر بأي أفق حقيقي في مرحلة ما بعد الانتخابات، على فرض أنه سينجح بتشكيل الحكومة القادمة. وفي هذا البرنامج تجاهل فكرة حل الدولتين أو إقامة دولة فلسطينية، وذهب لتحديد اللاءات فقط وخاصة رفض الانسحاب من غور الأردن ومن الكتل الاستيطانية ومن القدس ومن هضبة الجولان أيضاَ. واستعاض عن فكرة المفاوضات والعملية السياسية مع الفلسطينيين بالبحث في "عقد مؤتمر إقليمي للانفصال عن الفلسطينيين". كما أنه يرفض فكرة الانسحاب أو فك الارتباط الأحادي.
وحزب " الليكود" بدوره تراجع عن تصريحات زعيمه بنيامين نتنياهو بشأن حل الدولتين، وهو يعلن معارضته للانسحاب من الأراضي المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران، ومعارضته للانسحاب من غور الأردن ومن المستوطنات، ويصر على بقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل ورفض فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالمناسبة هناك اتفاق بين غالبية الأحزاب الإسرائيلية حول هاتين النقطتين. كما يريد "الليكود" الاحتفاظ بالأمن في كافة المناطق الفلسطينية، وبات الآن أقرب إلى فكرة الضم التدريجي لمناطق (ج) التي تبدأ بفرض السيادة على المستوطنات.
وهناك تراجع في مواقف حزب "العمل" منذ الرئاسة السابقة لإسحق هرتسوغ وأصبح موقفه الآن أكثر يمينية بعد تولي أفي غباي لزعامة الحزب. وهو يلخص موقفه بالرغبة في حل الدولتين، ولكن دون الحديث الواضح الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، ويريد الإبقاء على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية. ولأنه لا يوجد أفق سياسي لحل الدولتين في المدى المنظور، فهو يفضل الفصل من جانب واحد أي أن تنفذ إسرائيل انسحابات من قسم من المناطق التي لا ترغب في البقاء فيها في أية تسوية، ومنح الفلسطينيين صلاحيات أوسع ومناطق سيطرة أكبر.
أما أحزاب اليمين المتطرف سواء "اليمين الجديد" أو اتحاد أحزاب اليمين ( البيت اليهودي والاتحاد القومي وقوة لإسرائيل) فهي ترفض فكرة قيام دولة فلسطينية وتطالب بضم الضفة الفلسطينية المحتلة من مناطق (ج) وحتى كامل الضفة الغربية، وبعضها يجاهر بضرورة طرد الفلسطينيين منها على اعتبار أنها "أرض إسرائيل" وحق حصري لليهود. وتطالب هذه الأحزاب بفرض السيادة الإسرائيلية فوراً على المستوطنات ومناطق (ج)، كخطوة أولى على طريق تحقيق حلم "أرض إسرائيل الكبرى". اما الدولة الفلسطينية فهي الأردن. والأحزاب الدينية أصبحت الآن أكثر تطرفاً في المسألة السياسية وأقرب إلى موقف اليمين، مع أنها لا تهتم بالقضية السياسية وتركز أكثر على القضايا الاجتماعية والفرض الديني.
وحدها حركة "ميرتس" تطرح حل دولتين لشعبين على أساس حدود عام 1967، وتبادل الأراضي وتقسيم القدس عاصمتين للدولتين وحل قضية اللاجئين وكافة قضايا الصراع  بالاتفاق بين الطرفين. وهي تمثل في هذا الشأن أقلية ولكن قد تكون مؤثرة في حال تشكل ائتلاف حكومي بديل لليمين واليمين المتطرف. 
وأي متابع للشأن الإسرائيلي سيكتشف أن القادة الإسرائيليين يتحدثون إلى أنفسهم وإلى الرأي العام الذي بات يتبنى مواقف أكثر تشدداً في كل ما يتعلق بالصراع، خاصة بعد هيمنة الخطاب اليميني على الساحة السياسية الإسرائيلية وأصبح شبه مسلم به من قبيل لا يوجد شريك فلسطيني، والفلسطينيون لا يريدون السلام ويرغبون بالقضاء على دولة إسرائيل، وأن الانسحاب الإسرائيلي يشكل خطراً داهماً على إسرائيل. أي أن السلام هو الخطر والحرب هي شيء ضروري ودفاع لازم عن النفس. وحتى عند البحث في حلول نجد أن القيادات الإسرائيلية لا تولي الموقف الفلسطيني أية أهمية، وبالتالي تصبح فكرة التسوية والحلول الوسط التي يمكن أن تكون مقبولة على الطرفين مغيبة عن النقاش الداخلي الإسرائيلي، وكأن السلام تصنعه إسرائيل مع نفسها وإقناع الجمهور بالموقف هو نهاية المطاف. حتى الذين يتحدثون عن الضم والخطوات أحادية الجانب لم يتعلموا من تجربة إخلاء قطاع غزة بقرار أحادي الجانب وهم يلومون الفلسطينيين بأنهم بعد إخلاء المستوطنات والانسحاب من داخل القطاع حصلوا على مقاومة مسلحة.
لن يحصل الإسرائيليون على أي أمن واستقرار إذا بقوا على مواقفهم التي تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وترفض التعامل معه على قدم المساواة. فالذين يؤيدون الانفصال عنا يخافون من "البعبع" الديمغرافي وليس لأنهم مقتنعون بأننا شعب ولنا حقوق كباقي شعوب الأرض وينطلقون من احترام لحقوقنا ورؤيتنا كبشر متساوين في الحقوق مثلهم وهم اقاموا كيانهم على حسابنا. وسيكتشف الإسرائيليون أنهم يضيعون فرصة قد لا تتكرر، إذا رفضوا العرض المقدم لهم في المبادرة العربية للسلام وأنهم يسيرون خلف وهم الحصول على تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم الأساسية التي تكفلها لهم القوانين والمواثيق والقرارات الدولية.